للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يصعب معها معرفة الشيخ، مع أنها شخص واحد، وهو يعلم أنها شخص واحد، وأن كثيرين لا يفطنون لذلك.

ويفرع بعض العلماء عن التدليس أبوابًا متعددة منها ما يسمونه بتدليس العطف، كأن يقول الراوي: «حدثنا فلان وفلان»، ومع أنه لم يسمع من الثاني المعطوف (١).

ومن ذلك تدليس السكوت، كأن يقول: «سَمِعْتُ» أو «حَدَّثَنَا» أو «حَدَّثَنِي» ثم يسكت ثم يقول: «الأَعْمَشُ» مثلاً، موهمًا أنه قد سمع منه، مع أنه لم يصح له سماع منه.

ومن ذلك تدليس التسوية، وهو أن يحمله على إسقاطه غير شيخه ضعفه أو صغر سنه فيجعل الحديث مَرْوِيًّا عن الثقات فقط، ليحكم عليه بالقبول والصحة. وهذا شر أنواع التدليس، لأن فيه تغريرًا شديدًا. وممن اشتهر بذلك الوليد بن مسلم، فكان يحذف شيوخ الأوزاعي الضعفاء ولا يذكر إلا الثقات، فسئل عن ذلك، فأجاب: «إن الأوزاعي أسمى من أن يروي عن مثل هؤلاء!» فقيل له: «فإذا روى عن هؤلاء، وهو ضعفاء، أحاديث مناكير، فأسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعي الثقات، ضعف الأوزاعي؟ فلم يلتفت الوليد إلى ذلك القول».

وعبارات المدلسين تنطوي على خبث شديد، فقد يعمد بعضهم إلى لفظ مبهم متشابه يلوي به لسانه تعظيمًا لشيخه من خلال تعظيم البلد أو الحي الذي ينسب إليه: كما إذا قال المصري: «حَدَّثَنِي فُلاَنٌ بِالأَنْدَلُسِ» فأراد موضعًا بالقرافة، أو قال: «بِزِقَاقِ حَلَبْ» وأراد موضعًا بالقاهرة، أو


(١) انظر في هذا النوع والنوعين التاليين " الباعث الحثيث ": ص ٦٠.