للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَبَّاسٍ- الصَّعْبَ وَالذَّلُولَ» من الإكثار من التحديث للأهواء: فكان الانتصار للمذاهب منذ أول الأمر أهم الأسباب الداعية إلى وضع الأخبار واختلاق الأحاديث. ولقد دأب أصحاب الأهواء في مختلف العصور على الافتراء على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، حتى قال عَبْدُ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ المُقْرِئُ: «إِنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ البِدَعِ رَجَعَ عَنْ بِدْعَتِهِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: انْظُرُوا هَذَا الحَدِيثَ عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ، فَإِنَّا كُنَّا إِذَا رَأَيْنَا رَأْيًا جَعَلْنَا لَهُ حَدِيثًا» (١)! وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: «أَخْبَرَنِي شَيْخٌ مِنَ الرَّافِضَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْتَمِعُونَ عَلَى وَضْعِ الأَحَادِيثِ» (٢).

ومن أصحاب الأهواء الفقهاء الذين يتصدون للدفاع عن مذاهبهم زُورًا وَبُهْتَانًا، فيشحنون كتبهم بالموضوعات، سواء اختلقوها بأنفسهم أم اختلقها الوضاعون خدمة لهم وتاييدًا لهواهم. وقد تبلغ بهم الجراءة حد الخلط بين أقيستهم وبين أحاديث الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيضعون في فيه عبارات أقيستهم التي وصلوا إليها باجتهادهم، وغالبًا ما يكون هؤلاء الفقهاء من مدرسة الرأي التي تعنى بالقياس عناية خاصة. قال أبو العباس القرطبي (٣): «اسْتَجَازَ بَعْضُ فُقَهَاءِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ نِسْبَةَ الحُكْمِ الذِي دَلَّ عَلَيْهِ القِيَاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[نِسْبَةً قَوْلِيَّةً، فَيَقُولُ فِي ذَلِكَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَذَا].وَلِهَذَا تَرَى كُتُبَهُمْ مَشْحُونَةً بِأَحَادِيثَ تَشْهَدُ مُتُونُهَا [بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ ; لأَنَّهَا] تُشْبِهُ فَتَاوَى الفُقَهَاءِ، [وَلاَ تَلِيقُ بِجَزَالَةِ كَلاَمِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ] ; وَلأَنَّهُمْ لاَ يُقِيمُونَ لَهَا سَنَدًا [صَحِيحًا]!!»


(١) " التدريب ": ص ١٠٣.
(٢) " التدريب ": ص ١٠٣.
(٣) أبو العباس القرطبي هو صاحب كتاب " المفهم شرح صحيح مسلم ". وعبارته هذه عن فقهاء الرأي نقلها عنه السخاوي في " شرحه ألفية العراقي في مصطلح الحديث ": ص ١١١.