للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعدوا مراسيل بعضهم تدليسًا، وقالوا صراحة: «مَا أَقَلَّ مَنْ سَلِمَ مِنَ التَّدْلِيسِ!» (١).

ومع اعترافهم بأن التعليل أكثر ما يتطرق إلى الإسناد لم ينفوا تعليل المتن، فقالوا: لا يطلق الحكم بصحة حديث ما لجواز أن يكون فيه علة في متنه. ومع أن الاضطراب أكثر ما يقع في الإسناد، لم يفت النقاد أن ينبهوا على وقوعه في المتن أيضًا، وجاؤوا على ذلك بشواهد.

وقسموا المقلوب إلى قسمين: مقلوب مَتْنًا ومقلوب إسنادًا.

وتشددهم في أداء الحديث باللفظ أكثر ما يتجه إلى المتون، حتى لا يكذب الناس على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولا سيما إذا لحن الراوي زاعمًا أن خطأه من لفظ الرسول فقد عدوه متعمدًا للكذب، جديرًا بأن يتبوأ مقعده من النار.

وبعض مباحث القسم المشترك بين الصحيح والحسن والضعيف إنما ينظر فيها إلى حال المتن كالمرفوع مثلاً، فإن للمرفوع إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نورًا كنور النهار يعرفه الذوق السليم، فلا يخفى على أحد شيء مما يحمل عليه أو يوضع في


(١) ومع أن التدليس أخو الكذب، كما نقلنا عن العلماء ص ١٧١، فإنهما ليسا مترادفين على معنى واحد، والمدلس على كل حال ليس هو الموضوع. فالكذب في التدليس ضرب من الخداع، والكذب في الوضع لون من الاختلاق. وقد لاحظ هذا الاختلاف بين الاصطلاحين كل من المستشرقين فرنكل وابن الورد. انظر:
Frankel, Diearamaischen Fremdworter im Arabischen ١٨٨ ; Ahlwardt,Verzeichniss der Landbergschen Sammlung arab. Handschriften de la Biblioth royale de Berlin, no ١٤٩.

وجولدتسيهر يعرف هذا جيدًا، ولكنه يتعمد الخلط بين الاصطلاحين ليهول في شأن الوضع والوضاعين.