للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نؤثر أن نجلو بعض الجوانب الشائكة التي تَحُفُّ بِحُجِّيَّةِ الحديث. فهل النصوص القرآنية الحَاثَّةِ على طاعة النبي تُقِرُّ لحديثه بالاستقلال في التشريع، فيؤخذ بما فيه من الأحكام كما يؤخذ بما في الكتاب، أم لا تقر له بالاستقلال التشريعي، كما هو إلا بيان للقرآن، وراجع إليه؟

وإن يكن الحديث مُبَيِّنًا للقرآن أو مُفَصِّلاً لإجماله، فكيف يعد مع الكتاب أصلاً من أصول التشريع مع أن أحكام الدين إنما تستقى من أحدهما فقط وهو كتاب الله المجيد؟ وحين يؤخذ بالحديث أصلاً تشريعيًا أو على غير استقلال، هل يقبل فيه خبر الآحاد، أم لا بد لتصحيحه من التقوية والتعزيز؟

وإن الإجابة الدقيقة عن هذه الأسئلة لتفرض علينا في البداية سرد أهم النصوص القرآنية الدالة على وجوب العمل بالسنة النبوية، مشفوعة بتطبيقها العملي في واقع السيرة المطهرة، ومقرونة بفهم الرعيل الأول من الصحابة لمدلولها المتبادر من غير تكلف ولا اعتساف.

يرى عبد الرحمن بن يزيد رجلاً مُحْرِمًا في موسم الحج قد ارتدى ثوبًا مخيطًا، فرشده إلى نزع ثيابه والأخذ بسنة النبي - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - في لباس الإحرام، فيقول الرجل لعبد الرحمن: «اِئْتِنِي بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللهِ تَنْزِعُ ثِيَابِي»، فلا يرى عبد الرحمن خيرًا من أن يقرأ عليه قول الله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (١). فَنَزْعُ الثوب المخيط لم يرد صريحًا في كتاب الله، وإنما ورد في الحديث فقط.

وهكذا انفردت السُنَّةُ بهذا الحكم الشرعي، وكانت أصلاً مستقلاً من أصول التشريع، لأن الله أمر المؤمنين بالانتهاء عما نهى عنه نبي


(١) [سورة الحشر، الآية: ٧]. وقارن بـ " جامع بيان العلم " لابن عبد البر: ٢/ ١٨٨.