للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الهدى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -.

ويصلي الإمام الكبير طاووس (١) بعد العصر ركعتين، فيقول له الصحابي الجليل ابن عباس: اتركهما، فيجيبه طاووس بأن الرسول - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - إنما نهى عنهما مخافة أَنْ تُتَّخَذَا سُنَّةً، ولا ضير في هاتين الركعتين إن صُلِّيَّتَا بغير نية الاستمرار، ولكن ابن عباس يُصِرُّ على نهي رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة مطلقًا بعد العصر، ويؤكد لطاووس أن ليس له الخيار، فما جاء به رسول الله، مستندًا إلى الآية الكريمة: " {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (٢) [الأحزاب: ٣٦].

ولئن تكن للمؤمن خِيَرَة فيما مضت به سنة الرسول، فما عليه إلا أَنْ يُحَكِّمَ هذه السنة في كل خلاف يَشْجُرُ، وفي كل دعوى ترفع، مع التسليم التام لكل ما تصدره من أحكام، مصداقًا لقوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (٣). وجملة الروايات الواردة في سبب نزول هذه الآية تتلخص في أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قضى للزبير بن العوام بالشرب من شِرَاجِ الحَرَّةِ قبل رجل شهد بدرًا من الأنصار (٤). ولا ريب أن حديث النبي هنا قد انفرد بالتشريع في هذه


(١) هو طاووس بن كيسان الخولاني الهمداني بالولاء. كان من أكابر التابعين، ومن أشهر رواة الحديث المتفقهين فيه. توفي حَاجًّا بالمزدلفة سنة ١٠٦ هـ (" تهذيب التهذيب ": ٥/ ٢٨).
(٢) " الموافقات ": ٤/ ٢٥.
(٣) [سورة النساء، الآية: ٦٥].
(٤) انظر تفصيل هذه الرواية - مع تخريج الأسانيد والمفاضلة بينها، في " تفسير ابن كثير: ١/ ٥٢٠. ومغزى تفسير الآية - على جميع الآراء - أن الأنصاري الذي اعترض على سقي الزبير قبله كان جديرًا به قبول الحكم النبوي دون أن يجد في نفسه منه حرجًا.