للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وستكون منهم على حذر في كل ما يؤرِّخُونه لحضارتنا - فما انتظرنا اعترافاتهم بتدوين الحديث، وما خفيت علينا الغاية من هذه الاعترافات، وسواء علينا أأقرُّوا أم جحدوا، فإنَّ رب الدار أدرى بالذي فيها، وإنَّ كتبنا الأمينة الموثوقة نطقت بوجود صحف مكتوبة في الحديث على عهده - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، وما يدرينا لعل جميع هذه الصحف ماثلة في كتب المسانيد في بطون مخطوطات الحديث المبثوثة في مكتبات العالم كما مثلت في " مسند ابن حنبل " صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص وصحيفة أبي هريرة لهمام!.

ومن الآراء التي تَخَبَّطََ فيها المستشرقون على غير هدى من منطق سليم أو نقل صحيح أنَّ الأحاديث الواردة في شأن تدوين العلم حثاً عليه أو نهياً عنه إنما كانت أثراً من آثار تسابق أهل الحديث في جانب آخر إلى وضع الأقوال المؤيِّدة لنزعتَيْهِم المُتباينتين. فأهل الحديث ينزعون إلى جواز تقييد السُنَّة ليكون مستنداً بين أيديهم لصحتها والاحتجاج بها، وأهل الرأي - على العكس - ينزعون إلى النهي عن الكتابة وإثبات عدم تقييد العلم تمهيداً لإنكار صحته وإنكار الاحتجاج به (١). وقد توَلَّى كِبْرَ هذا الضلال العلمي جولدتسيهر Goldziher بعد اطلاعه على مقال في «نشأة


(١) Goldziher, Etudes sur la Tradition Islamique, p. ٢٤٥ - ٢٥٠.
وقارن أَيْضًا بما كتبته الباحثة روث مكنسون متأثرة فيه برأي جولدتسيهر في مقالاتها:
Ruth Mackenson, Arabic books and librairies in the Omayad period (in AJSL, vol. L. II-LIV, ٢٤٥ - ٢٥٣; vol. L. III, ٢٣٩ - ٢٤٩ ; vol. L IV ٤١ - ٦١) .