الكتابة وتطورها» لسلفه المستشرق شبرنجر Springer (١) الذي اكتشف سنة ١٨٥٥ م كتاب " تقييد العلم " للخطيب البغدادي. غير أنَّ منهج المستشرقين يختلف اختلافاً جوهرياً في هذا الموضوع. أما شبرنجر فقد استنتج من نشأة الكتابة عند العرب ومن خلال النصوص الواردة في الكتاب المذكور أنَّ الحديث لا بُدَّ أنْ يكون دُوِّنَ منه الكثير في عهد الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكان هذا ما يعنيه أولاً وبالذات. وأما جولدتسيهر فقد ارتاب في صحة جميع تلك النصوص، ورأى أنَّ بعضها وضعه أهل الحديث، وبعضها الآخر وضعه أهل الرأي.
وقد قيَّضَ الله لهذا الكتاب أنْ يُنشَرَ في دمشق نشراً علمياً دقيقاً، وإذا بناشره المُحقِّق الدكتور يوسف العش يورد في مقدمته براهين لا تحتمل النقاش على خطأ جولدتسيهر في رأيه، إذ أثبت أنَّ النزاع حول جواز الكتابة أو المنع منها لم يكن ضرباً من التسابق بين أهل الحديث وأهل الرأي «لأنَّ من أهل الرأي من امتنع عن الكتابة كعيسى بن يونس (- ١٨٧ هـ) وحماد بن زيد (- ١٧٩ هـ) وعبد الله بن إدريس (- ١٩٢ هـ) وسفيان الثوري (- ١٦١ هـ) وبينهم من أقرَّها كحماد بن سَلَمَة (- ١٦٧ هـ) والليث بن سعد (- ١٧٥ هـ) وزائدة بن قدامة (- ١٦١ هـ) ويحيى بن الليمان (- ١٨٩ هـ) وغيرهم. ومن المُحَدِّثِينَ من كره الكتابة كابن عُلية (- ٢٠٠ هـ) وهُشيم بن بشير (- ١٨٣ هـ) وعاصم بن
(١) Springer, Origin and progress of writing,in the journal of the Asiatic society of Bengal, xxv, ٣٠٣ - ٣٢٩.