للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(- ٩٢ هـ) وجابر بن زيد (- ٩٣ هـ) وإبراهيم بن يزيد النخعي (- ٩٦ هـ) وهم قوم لما يجدوا الضرورة الملجئة إلى الإكتاب بل ما تزال الأخبار عن الخلفاء الراشدين وكراهتهم الكتابة قريبة عهد منهم، شديد الشيوع في عصرهم، توحي بالكثير من ورع هؤلاء السادة الأخيار، فلا غرو أن يتأسَّوْا بهم ويقولوا بقولهم. ولا عجب أنْ يعد الواحد منهم تخليد كتاب عنه خطأ وإثماً: ولذلك قال عُبيدة لإبراهيم: «لاَ تُخَلِّدَنَّ عَنِّي كِتَابًا» حين علم أنه يكتب عنده (١). وإذا بإبراهيم يقف عند هذه الوصية ويقول بعدها: «مَا كَتَبْتُ شَيْئًا قَطُّ» (٢).

ومما زاد في كراهة القوم للكتابة أنَّ آراءهم الشخصية بدأت تشتهر، فكانوا يخشون إذا كتب الناس عنهم الأحاديث أن يكتبوا إلى جانبها هاتيك الآراء. ولدينا من الأخبار ما يؤكد هذا ويثبته، ولعل من أوضحه في عصر كبار التابعين ما رَوَوْا من أنه قيل لجابر بن زيد (- ٩٣ هـ): إنهم يكتبون رأيك، فقال مستنكرًا: «يَكْتُبُونَ مَا عَسَى أَنْ أَرْجِعَ عَنْهُ غَدًا؟!» (٣).

واستنكار هؤلاء جميعاً الكتابة عنهم يعني من طريق غير مباشر أنَّ في


(١) " جامع بيان العلم ": ١/ ٦٧ و " تقييد العلم ": ص ٤٦ وعُبيدة هو الذي ورد اسمه آنفاً (عُبيدة بن عمرو السلماني المُرادي) وقد دعا عُبيدة بكتبه عند موته فمحاها وقال: «أخشى أنْ يليها أحد بعدي، فيضعوها في غير موضعها» " طبقات ابن سعد ": ٦/ ٦٣. وفي " جامع بيان العلم ": ١/ ٦٧ ما يقاربه. أما إبراهيم فهو ابن يزيد النخعي. وانظر في كراهة إبراهيم التيمي للكتابة " سنن الدارمي ": ١/ ١٢٢ في كراهة جابر بن زيد لها " جامع بيان العلم ": ٢/ ٣١.
(٢) " تقييد العلم ": ص ٦٠.
(٣) " جامع بيان العلم ": ٢/ ٣١ وراجع ما يقوله بهذا الصدد الدكتور يوسف العش في مقدمة نشره لـ " تقييد العلم ": ص ٢٠.