للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يضربون على أيديهم، وينصحون طلبة العلم قائلين: «يَا ابْنَ آدَمَ عِلِّمْ مَجَّانًا كَمَا عُلِّمْتَ مَجَّانًا» (١). ويستندون في هذا إلى أنَّ التعليم مَجَّانًا وارد في الكتب السماوية، فعن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: «مَكْتُوبٌ فِي الكُتُبِ: يَا ابْنَ آدَمَ عِلِّمْ مَجَّانًا كَمَا عُلِّمْتَ مَجَّانًا» (٢). ولهذا القول أصل صحيح معروف في الكتب السماوية، ففي آخر سفر من أسفار الكتاب المقدس « Deutéronome» : « إِنَّمَا عَلَّمْتُكُمْ بِأَمْرِ رَبِّي» (٣). ويستندون أَحْيَانًا أخرى إلى الحديث النبوي نفسه ليجزموا بحرمة أخذ الأجر على تعليم العلم، ففي " سُنن أبي داود " أنَّ الصحابي الجليل عُبادة بن الصامت - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - علَّمَ ناسًا من أهل الصُفَّة الكتاب والقرآن، فأهدى إليه رجل منهم قوسًا رمزًا للشكر وعرفان الجميل، وَإِذَا عُبَادَةُ يَسْتَفْتِي رَسُولَ اللهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَمْرِ هَذِهِ الهَدِيَّةِ، فَيُفْْتِيهِ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - بِلَهْجَةٍ شَدِيدَةٍ جَازِمَةٍ: «إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ مِنْ نَارٍ فَاقْبَلْهَا» (٤). وكان لأمثال هذا الحديث أثر بليغ في نفوس العلماء وَالرُوَّاةِ، فكانوا يعدُّون الهدية رشوة إنْ أهداها طالب الحديث، ويرفضون أنْ يلقوا إليه شيئاً منه إلاَّ إذا عاهدهم ألاَّ يهديهم شَيْئًا.

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ , قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَسْمَعُ مِنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ (- ١٦٧ هـ) فَرَكِبَ بَحْرَ الصِّينِ فَقَدِمَ , فَأَهْدَى إِلَى حَمَّادٍ فَقَالَ لَهُ حَمَّادٌ: " اخْتَرْ , إِنْ شِئْتَ


(١) " الكفاية ": ص ١٥٤.
(٢) انظر " الكفاية ": ص ١٥٣.
(٣) وقد أشار جولدتسيهر إلى صحة هذا الأمر في الحاشية الثالثة ص ٢٢٥ في كتابه " Etudes sur la Tradition Islamique ".
(٤) " سنن أبي داود ": ٣/ ٣٦٠ رقم الحديث ٣٤١٦. كتاب الإجارة. باب من كسب العلم.