للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَفْظَهُ،؟ وَكَانَ ذَلِكَ خَبَرًا صَحِيحًا وَنَقْلاً لاَزِمًا؛ وَهَذَا لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَرِيبَ فِيهِ مُنْصِفٌ لِبَيَانِهِ» (١).

ووقف الإمام مالك من الرواية بالمعنى موقفًا وسطًا، فأجازها فيما لم يرفع إلى رسول الله، وَتَشَدَّدَ في منعها في الأحاديث المرفوعة، حتى كان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وَرَعًا مِنْهُ وَاحْتِيَاطًا - يتحفظ من الباء والياء والتاء في حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما روى عنه البيهقي في " مدخله " (٢).

على أن ابن الصلاح لا يرى ضرورة للتشدد في رواية الحديث بالمعنى في المرفوع دون سواه، وإنما يشترط على من يريد الأداء بالمعنى في المرفوع وغيره اكتساب العلم بالعربية والقدرة على التصرف الصحيح فيها على الوجه الذي ذكرناه، فإنه يقول: «ومنعه بعضهم في حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأجازه في غيره والأصح جواز ذلك في الجميع، إذا كان عالمًا بما وصفناه، قاطعًا بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف الأولين، وكَثِيرًا ما كانوا ينقلون معنى واحدًا في أمر واحد بألفاظ مختلفة، وما ذلك إلا لأن مُعَوِّلَهُمْ كان على المعنى دون اللفظ. ثم إن هذا الخلاف لا نراه جاريًا ولا أجراه الناس - فيما نعلم - فيما تضمنته بطون الكتب، فليس لأحد أن يُغَيِّرَ لفظ شيء من كتاب مُصَنَّفٍ ويثبت بَدَلَهُ فيه لفظًا آخر بمعناه: فإن الرواية بالمعنى رَخَّصَ فِيهَا مَنْ رَخَّصَ، لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجمود عليها من


(١) " أحكام القرآن ": ١/ ١٠.
(٢) " الباعث الحثيث ": ص ١٥٨، وقارن بـ " الكفاية ": ص ١٧٩.