للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحرج والنصب، وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب، ولأنه إن ملك تغيير اللفظ، فليس يملك تغيير تصنيف غيره» (١).

والرواية بالمعنى ينبغي أن تظل مُقَيَّدَةً ببعض العبارات الدَالَّةِ على الحِيطَةِ وَالوَرَعِ، فعلى راوي الحديث إذا شك في لفظ من روايته أن يتبعه بقوله: «أَوْ كَمَا قَالَ»، «أَوْ كَمَا وَرَدَ» (٢).

وأكثر الرُوَّاةِ يحرصون على أن يؤدوا الحديث تَامًّا بجميع ألفاظه، ويرون في ذلك ضربًا من العناية باللفظ النبوي، إلا أن بعض العلماء يتساهلون في اختصار الحديث، فيحذفون بعضه، ويقطعونه، وَيَرْوُونَهُ تَفَارِيقَ في مناسبات مختلفة، كما صنع البخاري في " صحيحه ". وَلَمْ يَرَ الأئمة في صنيع البخاري موضعًا للنقد، لأنهم لاحظوا أنه لا يتساهل في ذلك إلا إذا كان قد أورد الخبر تَامًّا في رواية أخرى. ولذلك لم يُجَوِّزُوا اختصار الحديث إذا لم يرد تَامًّا من طريق أخرى، لئلا يكون ذلك كتمانًا لما يجب تبليغه (٣).

وهذا التساهل في أداء الحديث كان نتيجة طبيعية للتساهل عند تحمله: فمن قبل أن يقدم بعض الأئمة على إباحة الأداء بالمعنى، أو على الإذن باختصار المروي وتقطيعه، تَرَخَّصَ كثير منهم في تحمل الحديث بضروب جديدة من السماع في شيء، ولم يكن ترخصهم هذا - في نظر الجمهور - سيء الأثر ولا شديد الخطر.


(١) " علوم الحديث " لابن الصلاح: ص ١٨٩.
(٢) " الباعث الحثيث ": ص ١٦١.
(٣) " الباعث الحثيث ": ص ١٦١.