فاعليته مستفيدا لها من غيره، ولا سبيل للاستكمال والنقصان إلى سرادقات جلاله وكبريائه سبحانه. ونحو قوله سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} محمول على الغايات والمنافع المترتبة عليها دون الأعراض والعلل الغائبة. ومن قال من الفقهاء بتعليل أفعاله تعالى فقد أراد بالغرض ما ذكرنا، ولا مشاحة في الاصطلاح. هذا ثم إن هؤلاء القوم طعنوا في أهل الحق لإنكارهم التعليل ظنا منهم أنه يستلزم العبث وعموا عما صرحوا به في كتبهم، فإن القول به يوجب كونه تعالى عابثا في كثير من أفعاله، فإن الله تعالى كلف بالإيمان عن علم أنه لا يؤمن ويموت كافرا وتكليفه عبث، فإن الغرض من التكليف الانزجار عن القبائح عندهم، وكذا تكليف سائر من لا ينزجر عن المعاصي ولا يستمر بما أمر به ولا ينتهي عما نهي عنه.
الخامسة: إشاعتهم أن أهل السنة يزعمون أن الله تعالى لا يفعل ما هو الأصلح لعباده، بل ما هو فساد في الحقيقة.
وهو افتراء أيضا، فإن أهل الحق يقولون لا يجب على الله تعالى الأصلح، بل إن شاء فعله وإن شاء لم يشأه لمصلحة أخرى تركه. وما رموا به هو مذهبهم، لأن الله تعالى ترك كثيرا مما هو الأصلح بزعمهم كما سبق، وكما سيأتي في مباحث وجوب الأصلح إن شاء الله تعالى.
السادسة: يقولون إن أهل السنة جوزوا تكليف المعدوم ومخاطبته، فيقول الله تعالى في الأزل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} ولا شخص هناك.
ولا يخفى بطلانه، وهذا أيضا من افترائهم، لأن وجود المكلف عندهم شرط للتكليف الذي هو طلب الفعل من المكلف، لأن الطلب من المعدوم ممتنع.