للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فسيقت القلة وابتدئ بمن عن يمين الفقيه أبي عبد الله أو من عن يمين أمير المؤمنين، وكان هو على يساره، فلما انتهت القلة إليه ليدخل يده فيها امتنع وقال: صبوها فان وجدتم حاجتكم وإلا فهي عندي، فصبوها فوجدوها، فخلص من الشك فيه. وهذا من نبله وسياسته رحمه الله.

وكان له علم بالفقه والأصلين والخلافيات والجدل، وله في المعقول الحكمي نظر. وسئل في التصنيف فامتنع وقال: قد سبق الناس بذلك وما عسى أن يأتي به، فعد هذا من عقله؛ وسمعت بعض الطلبة يقول أن له تقييدا على "المستصفى" لأبي حامد (الغزالي) وأظنه صحيحا ولعله إنما علق عليه. ورأيت بخطه رحمه الله تأليفا في الموسيقى، وقال لي بعض الطلبة: إنه من تصنيفه وما وثقت بذلك، ويظهر لي إنه كلام أبي علي ابن سينا.

وكانت فيه دعابة وفكاهة لا تخل برتبته ولا تحط من منصبه، ولقد سمعت إنه وقعت بينه وبين بعض أصحابه من الطلبة مخاشنة فقال له صاحبه: تعاملني بهذا وأنا أسن منك وأسنى وأجل؟ فقال له: نعم أسن بموسى وأسنى بسانية وأجل في مربطك، فتضاحكا واصطلحا.

وكان مؤثرا لأهل الطلب، قابلا على أهل الأدب. أخبرني الفقيه أبو محمد عبد الحق بن ربيع رحمه الله قال: كان الفقيه أبو عبد الله القاضي ابن إبراهيم الأصولي ينتابه من يتكرم عليه ممن له رتبة عند خلو مجلسه من الطلبة فيجلس بإزائه، فإذا جاء طالب أفسح له بينه وبينه، ثم كلما أتى طالب فعل ذلك، حتى يعود الاحظى عنده، القريب المجلس عنده، أبعد الناس مجلسا منه، فكان لا يرى الحضرة إلا للعلم.

وكان شديدا على ولاة الأمر الذين يكونون معه ببلد قضائه، لا يسامحهم في شيء من أمورهم ويجاهدهم بم يكرهون في حق الله وفي حقوق المسلمين، وقد

<<  <   >  >>