واطلاعهم على أحوال الناس [ما] يطول ذكره، ولكن أصله أن في الموجودات الرّوحانيات موجودا، جميع تفاصيل الأمور الجزئية مما كان وسيكون منقوشة فيه، لا نقشا يدرك بالحس الظاهر، بل كنقش القرآن في دماغ المقرىء، ويعبّر عن ذلك باللّوح المحفوظ أو الكتاب، ويستعد قلب النائم بسبب النوم لمطالعته ذلك اللّوح، فيتجلّى له من الأمور المستقبلة، وأحوال الموتى شيء خاصّ؛ بسبب حصول استعداده، ومناسبة لا يوقف عليها بالقوة البشرية.
[الأمر الثالث:]
الشفقة على الأمة بتحريضهم على ما هو حسنة في حقهم وقربة لهم، بل الصلاة ليست حسنة واحدة، بل قربات؛ إذ فيها تجديد الإيمان بالله تعالى أولا، ثم برسوله صلى الله عليه وسلم ثانيا، ثم بتعظيمه ثالثا، ثم بالعناية بطلب الكرامات له رابعا، ثم بتجديد الإيمان باليوم الآخر وأنواع كراماته خامسا، ثم بذكر آله سادسا، ثم عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة، ثم بتعظيم الله بسبب نسبته إليه تعالى سابعا، ثم بإظهار المودة لهم ثامنا، ولم يسأل صلى الله عليه وسلم من أمته أجرا.. إلّا المودة في القربى، ثم بالابتهال والتضرّع في الدعاء تاسعا، والدعاء مخّ العبادة، ثم بالاعتراف- عاشرا- بأن الأمر كله إليه، وإنما النبي صلى الله عليه وسلم وإن جلّ قدره فهو عبد محتاج إلى فضله ورحمته تعالى، وإلى مدد الله تعالى له، وأنه ليس له من الأمر شيء، وأن الله عز وجل لو أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمّه، والأنبياء ومن في الأرض جميعا، ويحرمهم من فضله ورحمته.. فلن يملك لهم أحد من الله شيئا.
فهذه عشر حسنات سوى ما ورد الشّرع الشريف به من أن الحسنة الواحدة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها فقط.
وسرّه أيضا: أن الجوهر الإنسانيّ بطبعه حنّان إلى ذلك العالم العلوي؛ لأنه مقتبس منه، وهبوطه إلى العالم الجسماني غريب عن طبيعته، والسيئة تضبطه عن الرّقيّ إلى ذلك العالم على خلاف طبعه، والحسنة ترقّيه إلى موافقة