للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجوارح كلها، وانبعثت إلى كلِّ المعاصي والمشتبهات بحسب اتِّباع هوى القلب؛ ولهذا يقال: القلبُ مَلِكُ الأعضاء، وبقيَّةُ الأعضاءِ جنودُه، وهم مع هذا جنودٌ طائعون له، منبعثون في طاعته، وتنفيذ أوامره، لا يخالفونه في شيءٍ من ذلك، فإنْ كان الملكُ صالحاً كانت هذه الجنود صالحةً، وإنْ كان فاسداً كانت جنودُه بهذه المثابَةِ فاسدةً، ولا ينفع عند الله إلاّ القلبُ السليم" (١).

ثانيًا: موافقة الله فيما يحب ويكره، "فمتى امتلأ القلبُ بعظمةِ الله تعالى محا ذلك مِنَ القلب كلَّ ما سواه، ولم يبقَ للعبد شيءٌ من نفسه وهواه، ولا إرادة إلاَّ لما يريدهُ منه مولاه، فحينئذٍ لا ينطِقُ العبدُ إلاّ بذكره، ولا يتحرَّك إلا بأمره، فإنْ نطقَ، نطق بالله، وإنْ سمِعَ، سمع به، وإنْ نظرَ، نظر به، وإنْ بطشَ، بطش به" (٢).

"فإذا تحقَّق القلبُ بالتَّوحيد التَّامِّ لم يبق فيه محبةٌ لغير ما يُحبُّه الله، ولا كراهة لغير ما يكرهه الله، ومن كان كذلك لم تنبعثْ جوارحُهُ إلاّ بطاعة الله، وإنَّما تنشأ الذُّنوب من محبَّة ما يكرهه الله، أو كراهة ما يُحبه الله، وذلك ينشأ من تقديم هوى النَّفس على محبَّة الله وخشيته، وذلك يقدحُ في كمال التَّوحيد الواجبِ، فيقعُ العبدُ بسببِ ذلك في التَّفريط في بعض الواجبات، أو ارتكابِ بعضِ المحظوراتِ، فأمَّا من تحقَّق قلبُه بتوحيدِ الله، فلا يبقى له همٌّ إلا في الله وفيما يُرضيه به" (٣).

ثالثًا: الأُنس بالله تعالى، قال ابن رجب: "وقال ذو النون: مِنْ علامات المحبِّين لله: أنْ لا يأنَسُوا بسواه، ولا يستوحشُوا معه، ثم قال: إذا سكنَ القلبَ حبُّ اللهِ تعالى أنِسَ بالله؛ لأنَّ الله أجلُّ في صُدورِ العارفين أنْ يُحبُّوا سواه" (٤).

رابعًا: الرغبة في الآخرة والرغبة عن الدنيا، قال ابن القيم: "وكلما صح القلب من


(١) جامع العلوم والحكم، لابن رجب (٨/ ١).
(٢) المرجع السابق (٤٠/ ٢٢).
(٣) المرجع السابق (٤٠/ ٢٣).
(٤) المرجع السابق (٤/ ٥٩).

<<  <   >  >>