للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد اهتدى ابن آدم إلى طريق دفن الميت بفعل مخلوق أصغر منه، مما دلّه على ضعفه وعجزه؛ كي لا يتكبر على الله ويتباهى بقدراته. فقد ظل ابن آدم القاتل يطوف بأخيه المقتول لا يدري ما يفعل بجثته، حتى رأى غرابًا يبحث في التراب ليدفن غرابًا آخر. قال تعالى: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة: ٣١].

إن الحياة البرزخية هي حياة من عالم الغيب لا يدركها أهل الدنيا، فكل من مات حصل له في القبور من النعيم أو العذاب ما كُتب له، وإن لم يرَ الأحياء ذلك، سواء دفن الميت في التراب، أم أكلته السباع، أم حُرِّق حتى صار رماداً ونسف في الهواء، أم غرق في البحر، أم حفظ في وعاء بالتحنيط، أم غير ذلك، فأي ظرف استقر فيه فهو قبره.

الاستعدادَ الاستعداد:

وحينما كان ذلك المآل لابد منه، وما فيه حقيقة صادقة لاشك فيها فإن على العاقل أن يستعد لذلك المنزل بالعمل الصالح الذي يؤنسه في قبره، فيكون له روضة من رياض الجنة لا حفرة من حفر النيران.

عن البراء رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس على شفير القبر فبكى حتى بلَّ الثرى ثم قال: (يا إخواني، لمثل هذا فأعدوا) (١).

قال مطرّف بن عبد اللّه بن الشّخّير: "القبر منزل بين الدّنيا والآخرة، فمن نزله بزاد ارتحل به إلى الآخرة، إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ" (٢).

وقال: مالك بن مِغوَل": لا تغرّنّك الحياة، واحذر القبر؛ إنّ للقبر شأناً" (٣).


(١) رواه ابن ماجه سنن ابن ماجه (٢/ ١٤٠٣)، وهو حسن.
(٢) أهوال القبور، لابن رجب (ص: ٢٤٤).
(٣) المرجع السابق.

<<  <   >  >>