للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

احذرِ الغَفلة

لقد جئنا هذه الدارَ زوّاراً إلى حين، وعنها ننتقل إلى دار أخرى يكون فيها قرارنا، وحياتنا الأبدية. فنحن في دار الدنيا نزلاء من أجل هدف واحد هو عبادة الله تعالى وحده وعلى هذا التكليف الرباني يُحدَّد المنزل في دار الآخرة: إما في الجنة وإما في النار.

فمن عقل هذه الحقيقة وآمن بهذا النبأ العظيم، وعمر قلبَه اليقينُ الجازم به؛ لم تُلهه دارُ غربته عن دار وطنه، ولم ينشغل عن التكليف الذي جاء لأجله بغيره.

ولكن هذا الصنف من الناس قليل جداً إزاء العدد الكبير الذين أسرتهم الغفلة عن هذه الحقيقة، وقادتهم إلى الانشغال بالدنيا عن الآخرة، فصاروا غافلين عن ربهم ودينه، غافلين عن الآخرة، وعن ذهابهم عن هذه الدنيا بلا عودة.

إن داء الغفلة قد تمكن من كثير من الخلق حتى فقدوا الشّعور بما حقّه أن يُشعَر به، وسهوا حتى قلّ تحفظهم مما يُخاف منه، فصار الأمر العظيم مما يُصلح حالهم في عاجل أمرهم وآجله لا يخطر لهم على بال، فلم يدركوه مع وجود ما يقتضيه، ويدعو إلى الاستيقاظ عنده.

ما أسوأ حال من غفل عن ربه الذي خلقه ورزقه، وأنعم عليه بنعم لا تعد ولا تحصى، حيث خلا قلبه من الإيمان به وتعظيمه، وهيبته وتقديره، وإجلاله والانقياد له، وفرغ لسانه من ذكره وانشغل بذكر غيره، ولم تنشغل جوارحه بالإقبال على أوامره والانتهاء عن نواهيه، بل شغلت باللهث خلف الشهوات والانكباب على الملذات التي تخالف شرع ربه سبحانه.

فأصبح بذلك غارقًا في دنياه غافلاً عن أُخراه، فلا مشاهد الموت وعظاته تزجره،

<<  <   >  >>