للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[معرفة الله تعالى]

مهما كان للعلوم النافعة من شرف ومنزلة، فإنها لن تساوي العلم بالله تعالى ومعرفته، ومهما كان لها من فائدة وأثر فإنها لن تعدل أثر معرفة الرب تعالى والعلم به؛ لأن هذا العلم الأعظم هو علم غاية يُطلب لذاته، وما سواه من العلوم فعلوم وسيلة يتوصل بها إلى غيرها. و" شرف العلم بحسب شرف معلومه، وشدة الحاجة إليه، وليس ذلك إلا العلم بالله وتوابع ذلك" (١). فـ" أفضل العلم العلم بالله، وأعلى الحب الحب له " (٢).

فلذلك كان" العلم بالله وأسمائه وصفاته هو أشرف العلوم على الإطلاق، وهو مطلوب لنفسه مراد لذاته، قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: ١٢]. فقد أخبر سبحانه أنه خلق السموات والأرض ونزل الأمر بينهن ليعلم عباده أنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير، فهذا العلم هو غاية الخلق المطلوبة، وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: ١٩]. فالعلم بوحدانيته تعالى وأنه لا إله إلا هو مطلوب لذاته، وإن كان لا يكتفى به وحده، بل لا بد معه من عبادته وحده لا شريك له، فهما أمران مطلوبان لأنفسهما: أن يعرف الرب تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه، وأن يُعبد بموجبهما ومقتضاهما، فكما أن عبادته مطلوبة مرادة لذاتها فكذلك العلم به ومعرفته " (٣).

إن العلم بالله ومعرفته هو سبب السعادة في الدنيا والآخرة؛ فلهذا كان هذا العلم"


(١) الفوائد، لابن القيم (ص: ٥٣).
(٢) المرجع السابق.
(٣) مفتاح دار السعادة، لابن القيم (١/ ١٧٨).

<<  <   >  >>