للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أصل كل علم، وهو أصل علم العبد بسعادته وكماله ومصالح دنياه وآخرته، والجهل به مستلزم للجهل بنفسه ومصالحها وكمالها وما تزكو به وتفلح به، فالعلم به سعادة العبد والجهل به أصل شقاوته" (١).

قال ابن القيم: " أشرف ما في الآخرة وأجل المقاصد معرفة الله ومحبته والأنس بقربه والشوق إلى لقائه والتنعم بذكره، وهذا أجل سعادة الدنيا والآخرة، وهذا هو الغاية التي تُطلب لذاتها، وإنما يشعر العبد تمام الشعور بأن ذلك عين السعادة إذا انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الآخرة وإلا فهو في الدنيا، وإن شعر بذلك بعض الشعور فليس شعوره به كاملاً" (٢).

وقال أيضًا: " معرفة الله وتوحيده وعبوديته وحده والإنابة إليه والتوكل عليه، وإخلاص العمل له ومحبته والرضا به، والقيام في خدمته هو الغاية التي خلق لها الخلق، وثبت بها الأمر، وذلك أمر مقصود لنفسه، والمنهيات إنما نهي عنها لأنها صادة عن ذلك أو شاغلة عنه أو مفوِّتة لكماله؛ ولذلك كانت درجاتها في النهي بحسب صدها عن المأمور وتعويقها عنه وتفويتها لكماله، فهي مقصودة لغيرها والمأمور مقصود لنفسه" (٣).

وهذا العلم الأعلى هو دعوة الرسل عليهم السلام وما سواه من العلوم الصالحة التي علّمتها الرسل أممها إنما هو تابع لذلك" فأساس دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم معرفة الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله، ثم يتبع ذلك أصلان عظيمان: أحدهما: تعريف الطريق الموصلة إليه وهي شريعته المتضمنة لأمره ونهيه. الثاني: تعريف السالكين ما لهم بعد الوصول إليه من النعيم الذي لا ينفد وقرة العين التي لا تنقطع. وهذان الأصلان تابعان للأصل الأول، ومبنيان عليه، فأعرف الناس بالله أتبعهم للطريق


(١) المرجع السابق (١/ ٨٦).
(٢) عدة الصابرين، لابن القيم (ص: ٩٣).
(٣) المرجع السابق (ص: ٢٨).

<<  <   >  >>