وقال كذلك:" ومما ينبغي الاعتناء به علمًا ومعرفة، وقصداً وإرادة: العلم بأن كل إنسان بل كل حيوان إنما يسعى فيما يحصِّل له اللذة والنعيم وطيب العيش، ويندفع به عنه أضداد ذلك، وهذا مطلوب صحيح يتضمن ستة أمور:
أحدها: معرفة الشيء النافع للعبد الملائم له الذي بحصوله لذته وفرحه وسروره وطيب عيشه. الثاني: معرفة الطريق الموصلة إلى ذلك. الثالث: سلوك تلك الطريق. الرابع: معرفة الضار المؤذي المنافر الذي ينكد عليه حياته. الخامس: معرفة الطريق التي إذا سلكها أفضت به إلى ذلك. السادس: تجنب سلوكها.
فهذه ستة أمور لا تتم لذة العبد وسروره وفرحه وصلاح حاله إلا باستكمالها، وما نقص منها عاد بسوء حاله وتنكيد حياته. وكل عاقل يسعى في هذه الأمور لكن أكثر الناس غلط في تحصيل هذا المطلوب المحبوب النافع؛ إما في عدم تصوره ومعرفته، وإما في عدم معرفته الطريقَ الموصلة إليه، فهذان غلطان سببهما الجهل، ويتخلّص منهما بالعلم" (١).
المدح والذم في اللذة:
إن لذات الدنيا لا يتوجه المدح والذم لذِاتها، بل لطريقها أو عواقبها، فـ" اللذة من حيث هي مطلوبة للإنسان، بل ولكل حي فلا تذم من جهة كونها لذة، وإنما تذم ويكون تركها خيراً من نيلها وأنفع إذا تضمنت فوات لذة أعظم منها وأكمل، أو أعقبت ألماً حصوله أعظم من ألم فواتها. فههنا يظهر الفرق بين العاقل الفطن والأحمق الجاهل، فالعاقل متى عرف التفاوت بين اللذتين والألمين وأنه لا نسبة لأحدهما إلى الآخر هان عليه ترك أدنى اللذتين لتحصيل أعلاهما، واحتمال أيسر الألمين لدفع أعلاهما، وإذا تقررت هذه القاعدة فلذة الآخرة أعظم وأدوم ولذة الدنيا أصغر وأقصر، وكذلك ألم الآخرة وألم الدنيا، والمعول في ذلك على الإيمان واليقين، فإذا قوي اليقين وباشر القلب