للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آثر الأعلى على الأدنى في جانب اللذة، واحتمل الألم الأسهل على الأصعب" (١).

" وإذا كانت اللذة مطلوبة لنفسها فهي إنما تذم إذا أعقبت ألماً أعظم منها، أو منعت لذة خيراً منها، وتحمد إذا أعانت على اللذة الدائمة المستقرة، وهي لذة الدار الآخرة ونعيمها الذي هو أفضل نعيم وأجله؛ كما قال الله تعالى: {وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يوسف: ٥٦، ٥٧]. وقال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل: ٣٠]. وقال تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: ١٦، ١٧]. وقال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: ٦٤]. " (٢).

قال ابن القيم: " وكل لذة أعقبت ألمًا، أو منعت لذة أكمل منها فليست بلذة في الحقيقة، وإن غالطت النفس في الالتذاذ بها، فأي لذة لآكل طعام شهي مسموم يقطع أمعاءه عن قريب؟! وهذه هي لذات الكفار والفساق بعلوهم في الأرض وفسادهم، وفرحهم فيها بغير الحق ومرحهم" (٣).

أنواع اللذة:

اللذة التي يلتذ بها الإنسان ليست نوعًا واحداً، بل أنواع، باعتبار الجهة التي تتلذذ بها من نفس الإنسان، فهناك لذات حسية (ظاهرة)، وهناك لذات معنوية (باطنة)، أو بتعبير آخر هناك لذات بدنية، ولذات خيالية، ولذات روحية.

قال الغزالي: " اللذات تنقسم إلى ظاهرة؛ كلذة الحواس الخمس، وإلى باطنة؛ كلذة الرياسة والغلبة والكرامة والعلم وغيرها؛ إذ ليست هذه اللذة للعين ولا للأنف ولا الأذن ولا للمس ولا للذوق، والمعاني الباطنة أغلب على ذوى الكمال من اللذات


(١) الفوائد، لابن القيم (ص: ٢٠٠).
(٢) روضة المحبين، لابن القيم (ص: ١٥٦).
(٣) روضة المحبين، لابن القيم (ص: ١٦١).

<<  <   >  >>