للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمير المؤمنين علي رضي الله عنه:

ويقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: " خمس خذوهن عني، فلو ركبتم الفلك ما وجدتموهن إلا عندي: ألا لا يرجون أحد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستنكف العالم أن يتعلم لما ليس عنده، وإذا سئل أحدكم عما لا يعلم فليقل: لا أعلم، ومنزلة الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد" (١). فما أحسنهن من وصايا نافعة في ميدان العلم والعمل!

ويقول ضرار بن ضمرة الكناني في وصف أمير المؤمنين علي رضي الله عنه- مبينًا زهده وورعه، وعبادته وخشوعه، وعلمه وعدله، وتواضعه وقربه من الناس، وإعراضه عن الدنيا-: " كان -والله- بعيدَ المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان -والله- غزير العَبرة، طويل الفكرة، يقلِّب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب (٢)، كان -والله- كأحدنا؛ يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكان مع تقربه إلينا وقربه منا لا نكلمه هيبة له، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظِّم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه يميل في محرابه قابضًا على لحيته، يتململ تململ السليم (٣)، ويبكي بكاء الحزين، فكأني أسمعه الآن وهو يقول: يا ربنا يا ربنا، يتضرع إليه ثم يقول للدنيا: أبي تعرَّضْتِ، أم لي تشوَّقْتِ؟! هيهات هيهات! غُرِّي غيري، قد بنْتُك (٤)، ثلاثًا، فعمركِ قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير. آه آه من قلة الزاد، وبُعد السفر، ووحشة الطريق" (٥).


(١) أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص: ٨٤).
(٢) جشب: غلظ وخشن. المعجم الوسيط (١/ ١٢٣).
(٣) السليم: الملدوغ. المعجم الوسيط (١/ ٤٤٦).
(٤) بنتك: فارقتك، المعجم الوسيط (١/ ٨٠).
(٥) حلية الأولياء، لأبي نعيم (١/ ٨٤).

<<  <   >  >>