للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الخوفُ من الله مطيةُ النجاة

إن الإنسان إذا بقي في حضن النعيم والرفاهية، وانصرف إلى مصالح دنياه وشهوات نفسه؛ غفل عن حق ربه، والاستعداد لآخرته، فاقتضت رحمة الله تعالى أن ترد هذا المكلَّف من هذا الشرود وتعيده عن هذا الإباق بوسيلة التخويف منه تعالى ومن عقابه وآثار غضبه؛ حتى لا ينسى ما خُلق لأجله، ولا يغفل عن الدار الباقية والحياة الأبدية التي سيصير إليها.

قال تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر ١٥ - ١٦]. وقال: {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً} [الإسراء ٥٩].

عن أبي موسى رضي الله عنه قال: خسفت الشمس فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً يخشى أن تكون الساعة فأتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله وقال: (هذه الآيات التي يرسلها الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره) (١).

قال أَبو حفص: "الخوف سوط الله يقوِّم به الشاردين عن بابه" (٢).

وبذلك يكون الخوف من الله تعالى بوجود أسبابه نعمةً من نعم الله اقتضتها رحمته بعباده؛ حتى لا يهلكهم الرجاء وهم عن ربهم غافلون وعلى معصيته مقيمون.

قال سفيان بن عيينة: "خلق الله النار رحمة يخوِّف بها عباده لينتهوا" (٣).


(١) رواه البخاري (١/ ٣٦٠)، ومسلم (٢/ ٦٢٨).
(٢) بصائر ذوى التمييز في لطائف الكتاب العزيز، للفيروزآبادي (ص: ٧٤٦).
(٣) التخويف من النار، لابن رجب (ص: ٣٤).

<<  <   >  >>