للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمَا رأى متبعُ هواه الذي أشغلته نفسه في دنياه عن أخراه كم تمر به من العِبر، فما له فيها مزدجر! ولا دعته إلى تغيير حاله، واستغلال حياته في زاد ينفعه يوم مصيره.

أما رأى الموتَ يتخطف أقاربه وأصحابه ومعارفه من حوله، فهل كان عن ذلك المصرع في مأمن؟، أما رأى ناسًا شبابًا وشيبًا قد قيدتهم الأمراض بعد العافية، فأصبحت أجسامهم بالسقم كاسية، وعن الصحة عارية؟ أفلَه عن تلك الحال التي صاروا إليها ضمان يؤمّنه، أو عاصم يعصمه؟!

هيهات هيهات، ليس للمرء من ذلك مانع مهما كان صحيحًا، ومهما كان قويًا، ومهما كان لديه من أسباب العافية والسلامة، فالحياة الدنيا غير مأمونة من تقلب الأحوال، وتبدل الأطوار، وحصول الموانع، وتعذر العمل أو تعسره بهجوم القواطع؛ ولهذا حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على المبادرة إلى العمل الصالح قبل حدوث ما يحول بين المرء وبينه؛ كالفتن والبلايا العظيمة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا، ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمنًا، ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا) (١). وقال عليه الصلاة والسلام: (بادروا بالأعمال ستًا: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم أو أمر العامة) (٢) (٣).

بادرْ قبل ذهاب العمر:

إن عمر الإنسان في الدنيا قصير، وأمامه مصير خطير يفضي إلى حياة أبدية: إما إلى جنة وإما إلى نار، وإن هذه الحياة الدنيا فرصة للعمل الصالح، والاستعداد الناجح ليوم المعاد، فالموفَّق من تأمل في هذا فنزع عن نفسه ثوب الغفلة، وارتدى حلة اليقظة


(١) رواه مسلم (١/ ١١٠).
(٢) خاصة أحدكم الموت، وقال قتادة: أمر العامة: القيامة. شرح النووي على مسلم (١٨/ ٨٧).
(٣) رواه مسلم (٤/ ٢٢٦٧).

<<  <   >  >>