للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واقتناص كل فرصة، فراح يشغل عمره بالطاعة قبل الممات، ومبادرة خيرات الزمان قبل الفوات؛ وحُداؤه: اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل.

قال ابن الجوزي: من عجائب ما أرى من نفسي ومن الخلق كلهم: الميل إلى الغفلة عما في أيدينا، مع العلم بقصر العمر، وأن زيادة الثواب هناك بقدر العمل ههنا، فاحملْ نفسك على المُرِّ، واقمعها إذا أبت، ولا تسرح لها في الطول، فما أنت إلا في مرعى. وقبيح بمن كان بين الصفين أن يتشاغل بغير ما هو فيه" (١).

وقال ابن القيم: "اشترِ نفسَك اليوم؛ فإن السوق قائمة، والثمن موجود، والبضائع رخيصة، وسيأتي على تلك البضائع يوم لا تصل فيه إلى قليل ولا كثير: وذلك يوم التغابن، ويوم يعض الظالم على يديه.

إِذا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزادٍ مِنْ التُّقَى … ولاقَيْتَ بعدَ الموتِ مَنْ قد تَزَوَّدا

نَدِمْتَ على أَنْ لا تكُونَ كمِثْلِهِ … وأَنَّكَ لَمْ تَرْصُدْ لما كانَ أَرْصَدا" (٢).

" وقال بعض البلغاء: كل امرئ يجري من عمره إلى غاية تنتهي إليها مدة أجله، وتنطوي عليها صحيفة عمله، فخذْ من نفسك لنفسك، وقِسْ يومك بأمسك، وكف عن سيئاتك، وزد في حسناتك قبل أن تستوفي مدة الأجل، وتقصر عن الزيادة في السعي والعمل" (٣).

"وجِد في حجر مكتوب: ابنَ آدم، لو أنك رأيت يسير ما بقي من أجلك لزهدت في طول ما ترجو من أملك، ولرغبت في الزيادة في عملك، ولقصرتَ من حرصك وحيلك، وإنما يلقاك غداً ندمك، وقد زلّتْ بك قدمك، وأسلمك أهلك وحشمك، وتبرأ منك


(١) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ٣٠٦).
(٢) الفوائد، لابن القيم (ص: ٤٩).
(٣) أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص: ١٤٥).

<<  <   >  >>