للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القريب، وانصرف عنك الحبيب، فلا أنت إلى أهلك بعائد، ولا في علمك بزائد" (١).

اغتنم ما أعطاك:

أيها المعافى، لا تركن إلى عافيتك فتلهو بها عن آخرتك، ظانًا أنها ستدوم عليك وحينها ستقبل على الطاعات وتترك المعاصي، ليس الأمر كما تظن؛ فإن العافية لا تستمر فالسقم ينتظرها، فإذا نزل بالمرء ربما ندم على تفريطه في زمن الصحة فيقول: يا ليتني أطعت، يا ليتني ما عصيت!

قال ابن الجوزي: "رأيت المعافى لا يعرف قدر العافية إلا في المرض، كما لا يعرف شكر الإطلاق إلا في الحبس" (٢).

فانتهزْ فرصة صحتك بالمسارعة إلى الخير، وتجنبِ الشر، وأبشر فإنك إذا كنت حال العافية على الطاعة فنزل بك المرض فمُنِعت عن تلك الطاعات المستحبة بسبب مرضك كُتب لك أجر ما كنت تعمل صحيحًا. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إذا مرض العبد أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا) (٣).

قال ابن حجر: " وهو في حق من كان يعمل طاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يدوم عليها، كما ورد ذلك صريحًا عند أبي داود من طريق العوام بن حوشب بهذا الإسناد في رواية هشيم، وعنده في آخره: (كأصلح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم)، ووقع أيضًا في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا: (إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة، ثم مرض قيل للملك الموكل به: اكتب له مثل عمله إذا كان طليقًا حتى أطلقه أو أكفته إلي)، أخرجه عبد الرزاق وأحمد وصححه الحاكم، ولأحمد من حديث أنس رفعه: " إذا ابتلى الله العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله: اكتب له صالح عمله الذي كان


(١) البيان والتبيين، للجاحظ (ص: ٤٦٩).
(٢) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ٢٩٤).
(٣) رواه البخاري (٣/ ١٠٩٢).

<<  <   >  >>