للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رحلة لكل مخلوق:

إن كل حي سيؤول إلى ذلك المصير، ولن يتخلف عنه مخلوق، سواء كان صغيراً أم كبيراً، صحيحًا أم عليلاً، إنسيًا أم جنيًا أم مَلكًا، أم حيوانًا، ولن يبقى إلا الحي القيوم سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: ٥٨]، وقال سبحانه: {كُلّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىَ وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}، فـ"يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون، وكذلك أهل السماوات إلا من شاء الله ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم؛ فإن الرب تعالى وتقدس لا يموت، بل هو الحي الذي لا يموت أبداً" (١).

متى ما نزل الأجل فلا حصن يعصم من نزوله، ولا مانع يمنع من أخذته، ولو تدرع الإنسان بكل مانع، وتترس بكل عاصم، قال تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: ٧٨]. " والمقصود أن كل أحد صائر إلى الموت لا محالة، ولا ينجيه من ذلك شيء، سواء جاهد أو لم يجاهد؛ فإن له أجلاً محتوماً، ومقاماً مقسوماً، كما قال خالد بن الوليد حين جاء الموت على فراشه: لقد شهدت كذا وكذا موقفاً، وما من عضو من أعضائي إلا وفيه جرح من طعنة أو رمية، وها أنا أموت على فراشي، فلا نامت أعين الجبناء، وقوله: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} أي: حصينة منيعة عالية رفيعة … أي: لا يغني حذر وتحصن من الموت، كما قال زهير بن أبي سلمى:

ومَن هابَ أسباب المنايا ينلْنه … ولو رامَ أسبابَ السماء بسلَّمِ" (٢).


(١) تفسير ابن كثير (٤/ ٣٢٩).
(٢) تفسير ابن كثير (١/ ٦٥٠).

<<  <   >  >>