للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فمن أجلِ ذا لا يَنعم العبدُ ساعةً … من العمر إلا بعدما يتألمُ

وكيف لا يكون العبد في هذه الدار غريبًا وهو على جناح سفر، لا يحل عن راحلته إلا بين أهل القبور، فهو مسافر في صورة قاعد، وقد قيل:

وما هذه الأيامُ إلا مراحلٌ … يحثُّ بها داعٍ إلى الموت قاصدُ

وأعجبُ شيءٍ لو تأملتَ أنها … منازلُ تُطوى والمسافرُ قاعدُ! " (١).

فوصفُ الإنسان في هذه الحياة القصيرة أنه: غريب فيها، أو عابر سبيل عليها، فليس له استقرار ولا استيطان إلا في دار البقاء، وهذا يدعوه إلى قصر الأمل فيها، والاستعداد إلى دار الوطن التي سينتقل إليها.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك (٢).

وعند الترمذي: عن مجاهد عن ابن عمر قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي فقال: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعدّ نفسك في أهل القبور) فقال لي ابن عمر: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صحتك قبل سقمك، ومن حياتك قبل موتك؛ فإنك لا تدري -يا عبد الله- ما اسمك غداً (٣).


(١) مدارج السالكين، لابن القيم (٣/ ٢٠٠).
(٢) رواه البخاري (٥/ ٢٣٥٨).
(٣) قال المباركفوري: " قال الحافظ: أي: هل يقال له: شقي أو سعيد، ولم يرد اسمه الخاص به؛ فإنه لا يتغير. وقيل: المراد: هل يقال: هو حي أو ميت انتهى. قلت: والظاهر عندي هو المعنى الثاني، والله تعالى أعلم". تحفة الأحوذي، للمباركفوري (٦/ ٥١٦).

<<  <   >  >>