للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وزاد أحمد: (وَاعْدُدْ نَفْسَكَ فِي الْمَوْتَى) (١)، وعند الترمذي وابن ماجه والطبراني: (وعُدَّ نفسك في أهل القبور) (٢). وعند البيهقي في قول ابن عمر زيادة: "وخذ من حسناتك لمساويك" (٣).

قال ابن حجر: "قال الطيبي: ليست (أو) للشك، بل للتخيير والإباحة، والأحسن أن تكون بمعنى: بل، فشبّه الناسكَ السالك بالغريب الذي ليس له مسكن يؤويه ولا مسكن يسكنه، ثم ترقى وأضرب عنه إلى عابر السبيل؛ لأن الغريب قد يسكن في بلد الغربة بخلاف عابر السبيل القاصد لبلد شاسع وبينهما أودية مردية، ومفاوز مهلكة، وقطاع طريق؛ فإن مِنْ شأنه أن لا يقيم لحظة ولا يسكن لمحة، ومن ثم عقبه بقوله: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" إلخ وبقوله: (وعد نفسك في أهل القبور)، والمعنى: استمر سائراً ولا تفتر؛ فإنك إن قصرت انقطعت وهلكت في تلك الأودية، وهذا معنى المشبه به، وأما المشبه فهو قوله: "وخذ من صحتك لمرضك" أي: أن العمر لا يخلو عن صحة ومرض، فإذا كنت صحيحًا فسر سير القصد، وزد عليه بقدر قوتك ما دامت فيك قوة بحيث تكون ما بك من تلك الزيادة قائمًا مقام ما لعله يفوت حالة المرض والضعف، زاد عبدة في روايته عن ابن عمر: (اعبدِ الله كأنك تراه، وكن في الدنيا .. ) الحديث، وزاد ليث في روايته: (وعد نفسك في أهل القبور)، وفي رواية سعيد بن منصور: (وكأنك عابر سبيل). وقال ابن بطال: لما كان الغريب قليلَ الانبساط إلى الناس، بل هو مستوحش منهم، إذ لا يكاد يمر بمن يعرفه مستأنس به، فهو ذليل في نفسه خائف، وكذلك عابر السبيل لا ينفذ في سفره إلا بقوته عليه، وتخفيفه من الأثقال، غير متشبث بما يمنعه من قطع سفره، معه زاده وراحلته يبلغانه إلى بغيته من قصده، وفي ذلك إشارة إلى إيثار الزهد في الدنيا، وأخذ البلغة منها والكفاف، فكما لا يحتاج المسافر إلى أكثر مما يبلغه إلى غاية


(١) مسند أحمد (٨/ ٣٨٣).
(٢) سنن الترمذي (٤/ ٥٦٧)، سنن ابن ماجه (٢/ ١٣٧٨)، المعجم الكبير (١٢/ ٤١٨).
(٣) السنن الكبرى (٣/ ٣٦٩).

<<  <   >  >>