إن مَنْ أحب شيئاً أكثر من ذكره، وبقي حاضراً لديه من غير غفلة عنه ولا نسيان، فكيف إذا كان المذكور قد وعد ذاكرَه بجوائز لا تُحصى، وتفضل عليه بآلاء لا تعد إن هو ذكره؟
فمن فطر الإنسانَ وخلقه، ومدّ يدَ إحسانه إليه ورزقَه، وصوّره فأحسن صورته، وهداه وبيّن له محجّته، وفضلّه وكرّمه، وعلّمه وفهّمه، أرسل له رسله وأنزل عليهم-من أجله- كتبَه، وجعل ما في الأرض مسخراً لخدمته، وحفظهُ بالمعقِّبات من ملائكته من بين يديه ومن خلفه، وأنعم عليه بنعم ظاهرة وباطنة، لا يستطيع المخلوق عدها ولن يبلغ حصرها. أفلا تكثر النفوس من ذكر من هذه بعض أياديه، ونماذج من فضله عليها؟!
المراد بذكر الله تعالى:
ليس المراد بذكر الله تعالى ذكره باللسان فحسب، بل ذكره سبحانه يشمل: ذكر اللسان، وذكر القلب، وذكر الجوارح.
قال ابن حجر:"وقال الفخر الرّازيّ: المراد بذكر اللّسان: الألفاظ الدّالّة على التّسبيح والتّحميد والتّمجيد. والذّكر بالقلب: التّفكّر في أدلّة الذّات والصّفات وفي أدلّة التّكاليف من الأمر والنّهي حتّى يطّلع على أحكامها، وفي أسرار مخلوقات اللّه. والذّكر بالجوارح، هو أن تصير مستغرقة في الطّاعات، ومن ثَمّ سمّى اللّه الصّلاة ذكراً فقال:{فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة: ٩]. ونقل عن بعضهم، قال: الذّكر على سبعة أنحاء: فذكر العينين بالبكاء، وذكر الأذنين بالإصغاء، وذكر اللّسان بالثّناء، وذكر اليدين بالعطاء، وذكر البدن بالوفاء، وذكر القلب بالخوف والرّجاء، وذكر الرّوح بالتّسليم والرّضاء"(١).