للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحركاته وسكناته وأقواله وأفعاله بإذنه ومشيئته، فلا يتحرك إلا بإذنه ولا يفعل إلا بمشيئته، إن وكله إلى نفسه وكله إلى عجز وضيعة، وتفريط وذنب وخطيئة، وإن وكله إلى غيره وكله إلى من لا يملك له ضراً ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشوراً، وإن تخلى عنه استولى عليه عدوه، وجعله أسيراً له، فهو لا غنى له عنه طرفة عين، بل هو مضطر إليه على مدى الأنفاس، في كل ذرة من ذراته باطنًا وظاهراً، فاقتُه تامة إليه" (١).

ولذلك فتح الله تعالى برحمته للإنسان بابَ الدعاء؛ حتى يصل به إلى ما يرغب، ويأمن به مما يرهب.

فأمر سبحانه وتعالى بالدعاء ووعد بالإجابة، وبين أنه قريب من عباده، فما عليهم إلا أن يسألوه ويستعطوه. قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: ٦٠]. قال ابن كثير: "هذا من فضله تبارك وتعالى وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه، وتكفل لهم بالإجابة؛ كما كان سفيان الثوري يقول: يا مَنْ أَحبُّ عباده إليه مَنْ سأله فأكثرَ سؤاله، ويا مَنْ أبغضُ عباده إليه مَنْ لم يسأله، وليس أحد كذلك غيرك يا رب" (٢).

وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: ١٨٦]. "يعني تعالى ذكره بذلك: وإذا سَألك يا محمد، عبادي عَني: أين أنا؟ فإني قريبٌ منهم أسمع دُعاءهم، وأجيب دعوة الداعي منهم" (٣).

فضل الدعاء:

إن للدعاء مكانة عظيمة، ومنزلة سامية، وفضلاً كبيراً، ويدل على ذلك:


(١) المرجع السابق (ص: ٥٦).
(٢) تفسير ابن كثير (٤/ ١٠٤).
(٣) تفسير الطبري (٣/ ٤٨٠).

<<  <   >  >>