للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحسرة والندامة، إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفداً وسيق المجرمون إلى جهنم ورداً، ونادى المنادي على رؤوس الأشهاد: ليعلمن أهل الموقف من أولى بالكرم من بين العباد، فلو توهم المتخلف عن هذه الرفقة ما أعد الله لهم من الإكرام، وادخر لهم من الفضل والإنعام، وما أخفى لهم من قرة أعين لم يقع على مثلها بصر ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر؛ لعلم أي بضاعة أضاع، وأنه لا خير له في حياته وهو معدود من سقط المتاع، وعلم أن القوم قد توسطوا ملكًا كبيراً لا تعتريه الآفات، ولا يلحقه الزوال، وفازوا بالنعيم المقيم في جوار الكبير المتعال … لقد نودي عليها في سوق الكساد، فما قبل ولا استام إلا أفراد من العباد!

فواعجباً لها كيف نام طالبها، وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها، وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها، وكيف قر للمشتاق القرار دون معانقة أبكارها، وكيف قرت دونها أعين المشتاقين، وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين، وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين، وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين؟! " (١).

"إخواني، لقد خاب من باع باقياً بفان، وخطرَ في ثوبَي متوان، وتغافل عن أمر قريب كان، وضيَّع يوماً موجوداً في تأميل ثان، أمَا الجنة تشوقت لطالبيها، وتزينت لمريديها، ونطقت آيات القرآن بوصف ما فيها، وملأت أسماع العباد أصوات واصفيها؟ كأنكم بالجنة وقد فتحت أبوابها، وتقسمها يوم القيامة أصحابها، وغنت ألسن الأماني قريب قبابها:

بشَّرها دليلُها وقالا: … غداً ترينَ الطَلحَ والجبالا " (٢).

يَا سِلْعَةَ الرَّحْمَنِ لَسْتَ رَخِيْصَةً … بَلْ أَنْتِ غَاليةٌ عَلَى الْكَسْلَانِ

يَا سِلْعَةَ الرَّحْمَنِ لَيْسَ يَنَالُهَا … في الألْفِ إِلاَّ وَاحدٌ لَا اثْنَانِ


(١) حادي الأرواح، لابن القيم (ص: ٤).
(٢) مواعظ ابن الجوزي (ص: ٨).

<<  <   >  >>