أفلا يشتري ذلك الدائم الكامل بهذا الفاني القليل؟ " (١).
فيا عجبًا كيف يؤثر عاقل داراً ذاهبة على دار خالدة، وعيشًا مكدراً على عيش صاف، وشقاء وآلامًا ونعيمًا مغشوشًا على حياة كاملة النعيم بلا أوجاع ولا آلام، فأين الموفقون وأين المشمرون؟
قال ابن القيم: " ولما علم الموفَّقون ما خُلقوا له، وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤوسهم فإذا عَلم الجنة قد رُفع لهم فشمروا إليه، وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه، ورأوا من أعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في أبدٍ لا يزول ولا ينفد بصُبابة عيشٍ إنما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام مشوبٍ بالنغص، ممزوج بالغصص، إن أضحك قليلا أبكى كثيراً، وإن سر يومًا أحزن شهوراً، الآمه تزيد على لذاته، وأحزانه أضعاف مسراته، أوله مخاوف، وآخره متالف، فيا عجباً من سفيه في صورة حكيم، ومعتوه في مسلاخ عاقل؛ آثر الحظ الفاني الخسيس، على الحظ الباقي النفيس، وباع جنة عرضها السموات والأرض بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات، ومساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار، بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار، وأبكاراً عُرباً أتراباً كأنهن الياقوت والمرجان، بقذرات دنسات، سيئات الأخلاق، وحوراً مقصورات في الخيام بخبيثات مسيّبات بين الأنام، وأنهاراً من خمر لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقل، مفسد للدنيا والدين، ولذة النظر إلى وجه العزيز الرحيم، بالتمتع برؤية الوجه القبيح الذميم، وسماع الخطاب من الرحمن بسماع المعازف والغناء والألحان، والجلوس على منابر اللؤلؤ والياقوت والزبرجد يوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد، ونداء المنادي:(يا أهل الجنة، إن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا، وتحيوا فلا تموتوا، وتقيموا فلا تظعنوا، وتشبوا فلا تهرموا)؛ بغناء المغنين؟ … وإنما يظهر الغبن الفاحش في هذا البيع يوم القيامة، وإنما يتبين سفه بائعه يوم