للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دارُ النعيم

-نسأل الله أن يجعلنا من أهلها-

لقد روت لنا كتب الأدب أخباراً وأشعاراً كثيرة عن العاشقين وهُيامهم بمنازل من يحبون، شوقًا إليها بعد بَينِهم عنها، وطمعًا بلقاء الحبيب في جنابتها، يسهرون ويبكون ويستدرون دموع غيرهم؛ ليشاركوهم تألم غرام البعد عنها بعد إلفها، فإذا وصلوا إلى تلك المغاني بعد عناء رحلة الشوق ومكابدة البعد أصابهم من السرور والحبور ما لا يوصف!.

وذلك كله على منزل دنيا وحبيب دنيا كلاهما إلى زوال، فكيف بجنة عرضها السماوات والأرض؟ ألا تشتاق النفوس إلى تلك المنازل العالية، والمغاني الغالية، ورؤية الله ومخاطبته ونيل رضوانه في تلك الدرجات السامية؟

فهل فكر الإنسان في تلك الدار الفيحاء ونعيمها وقارنها بهذه الدنيا الفانية وغصصها المتتالية؟

"من تأمل بعين الفكر دوام البقاء في الجنة في صفاء بلا كدر، ولذات بلا انقطاع، وبلوغ كل مطلوب للنفس، والزيادة مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، من غير تغيير ولا زوال، إذ لا يقال: ألف ألف سنة، ولا مائة ألف ألف، بل ولو أن الإنسان عد ألوف ألوف السنين لا ينقضي عدده، وكان له نهاية، وبقاء الآخرة لا نفاد له، إلا أنه لا يحصل ذلك إلا بنقد هذا العمر، وما مقدار عمر غايته مائة سنة منها: خمسة عشر صبوة وجهل، وثلاثون بعد السبعين- إن حصلت- ضعف وعجز، والتوسط نصفه نوم، وبعضه زمان أكل وشرب وكسب، والمنتخل منه للعبادات يسير!

<<  <   >  >>