للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وطنُك ليس هنا!

خُلق الإنسان ليعيش حياته التامة في الآخرة لا في الدنيا، وما الدنيا له إلا معبر إلى ذلك المستقر، وما لياليها وأيامها إلا رواحل إلى تلك المنازل. "قال بعض الحكماء: من كانت الأيام والليالي مطاياه سارت به وإن لم يَسرْ" (١).

فوطن المرء الحقيقي هناك في الآخرة، وليس هنا في هذه الدار التي هي في الحقيقة دار غربة وسكانها غرباء. "كان عطاء السلمي يقول في دعائه: اللهم ارحم في الدنيا غربتي، وارحم في القبر وحشتي، وارحم موقفي غداً بين يديك" (٢).

غرباء ينتظرون الوطن:

قال ابن القيم: " إن الناس كلهم في هذه الدار غرباء؛ فإنها ليست لهم بدار مقام، ولا هي الدار التي خُلِقوا لها، وقد قال النبي لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل). وهكذا هو نفس الأمر؛ لأنه أمر أن يطالع ذلك بقلبه ويعرفه حق المعرفة. ولي من أبيات في هذا المعنى:

وحَيَّ على جناتِ عدْنٍ فإنها … منازلُك الأُولى وفيها المخيَّمُ

ولكنَّنا سَبْيُ العدوِّ فهل ترى … نعودُ إلى أوطاننا ونُسلَّمُ

وأيُّ اغترابٍ فوق غربتِنا التي … لها أضحتِ الأعداءُ فينا تحكَّمُ

وقد زعموا أن الغريبَ إذا نأى … وشَطَّتْ به أوطانُه ليس يَنعمُ


(١) جامع العلوم والحكم، لابن رجب (٤٢/ ٨).
(٢) المرجع السابق (٤٢/ ٥).

<<  <   >  >>