للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مطلب اللَّذة

للإنسان مطالب ورغبات يحب تحقيقها، ويسعى إلى تحصيلها، ويبذل في سبيل ذلك ما يستطيع من الأسباب التي توصله إلى مبتغاه. ولا ريب أن " اللذة" من أعلى تلك المطالب، وأسمى تلك الرغائب.

غير أن الناس متباينون في اختيار لذاتهم، وسبل الوصول إليها؛ فمن الناس من همته تحصيل اللذة بأي وسيلة كانت من غير نظر في حلها أو حرمتها، أو استقامة الطريق إليها أو حظرها، ومن دون نظر كذلك في مآلاتها التي ستعقبها وتتمخض عنها. ومن الناس من همته الوصول إلى اللذة، ولكنه يختار أعلاها وأحلها وأدومها وأسلمها من العواقب المؤلمة، ولو فوّت في سبيل الوصول إلى هذه الغاية لذات أخرى، وهذا الثاني هو أعقل الناس، وأحسنهم اختياراً، وأسلمهم طريقة، وأكملهم لذة.

قال ابن القيم: " مقصود الحياة حصول ما يُنتفع به ويُتلذ به، والحي لا بد له من لذة أو ألم، فإذا لم تحصل له اللذة لم يحصل له مقصود الحياة، كمن هو حي في الدنيا وبه أمراض عظيمة تحول بينه وبين التنعم بما يتنعم به الأصحاء، فهو يختار الموت ويتمناه ولا يحصل له، فلا هو مع الأحياء ولا مع الأموات" (١).

وقال أيضًا: " واللذة والبهجة والسرور وقرة العين وطيب النفس والنعيم ألفاظ متقاربة المعنى، وهي أمر مطلوب في الجملة، بل ذلك مقصود كل حي، وذلك أمر ضروري من وجوده، وذلك في المقاصد والغايات بمنزلة الحس والعلوم البديهية في المبادئ والمقدمات" (٢).


(١) شفاء العليل، لابن القيم (ص: ١٧٤).
(٢) روضة المحبين، لابن القيم (ص: ١٥٥).

<<  <   >  >>