للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال ابن الجوزي: " تأملت التحاسد بين العلماء، فرأيت منشأه من حب الدنيا؛ فإن علماء الآخرة يتوادون ولا يتحاسدون، كما قال عز وجل: {ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا}، وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُو رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: ١٠]. وقد كان أبو الدرداء يدعو كل ليلة لإخوانه، وقال الإمام أحمد بن حنبل لولد الشافعي: أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل ليلة وقت السحر. والأمر الفارق بين الفئتين: أن علماء الدنيا ينظرون إلى الرياسة فيها، ويحبون كثرة الجمع والثناء، وعلماء الآخرة بمعزل من إيثار ذلك، وقد كانوا يتخوفونه، ويرحمون من بلي به .. وكان بعضهم إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام عنهم، وكانوا يتدافعون الفتوى. ويحبون الخمول. فمثل القوم كمثل راكب البحر وقد خبَّ- أي: هاجَ واضطربَتْ الأمواج- فعنده شُغْلٌ إلى أن يُوقِنَ بالنجاة. وإنما كان بعضهم يدعو لبعض، ويستفيد منه؛ لأنهم ركب تصاحبوا فتوادوا، فالأيام والليالي مراحلهم إلى سفر الجنة" (١).

نسأل الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح، ويجعل العلم حجة لنا لا علينا.


(١) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ٥).

<<  <   >  >>