للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحقيقة قطاع الطرق" (١).

وقال الماوردي: " وقال علي بن أبي طالب: إنما زهد الناس في طلب العلم لما يرون من قلة انتفاع من علم بما علم … وكان يقال: خير من القول فاعله، وخير من الصواب قائله، وخير من العلم حامله، وقيل في منثور الحكم: لم ينتفع بعلمه من ترك العمل به، وقال بعض العلماء: ثمرة العلم أن يعمل به، وثمرة العمل أن يؤجر عليه، وقال بعض الصلحاء: العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه أقام وإلا ارتحل، وقال بعض العلماء: خير العلم ما نفع، وخير القول ما ردع، وقال بعض الأدباء: ثمرة العلوم العمل بالعلوم، وقال بعض البلغاء: من تمام العلم استعماله، ومن تمام العمل استقلاله، فمن استعمل علمه لم يخل من رشاد، ومن استقل عمله لم يقصر عن مراد، وقال حاتم الطائي:

وَلَمْ يَحْمَدُوا مِنْ عَالِمٍ غَيْرِ عَامِلٍ … خِلَافًا وَلَا مِنْ عَامِلٍ غَيْرِ عَالِمِ

رَأَوْا طُرُقَاتِ الْمَجْدِ عُوَجًا قَطِيعَةً … وَأَفْظَعُ عَجْزٍ عِنْدَهُمْ عَجْزُ حَازِمِ

لأنه لما كان علمه حجة على من أخذ عنه واقتبسه منه حتى يلزمه العمل به والمصير إليه؛ كان عليه أحج وله ألزم؛ لأن مرتبة العلم قبل مرتبة القول، كما أن مرتبة العلم قبل مرتبة العمل" (٢).

وليس بمنتفع بالعلم من تعامل مع الخلق على خلاف ما لديه من نصوص علم الشريعة، بحيث يحصل عنده مباينة بين ما تعلم وما يعامل الناس به.

وليس بمنتفع بالعلم من لم يهذب العلم أخلاقه، ويجعله من المخلصين فيه، المبتغين به وجه الله، حتى يغدو محبًا لمن أخذ بهذا العلم ونفع الناس به، فلا يحسد ذا علم لكونه فاقه، ونال ما لم ينله، فإن وجد في نفسه عداء ونفرة من ذلك العالم أو المتعلم الذي بزّه وعلاه في الرتبة فليراجع نيته.


(١) الفوائد، لابن القيم (ص: ٦١).
(٢) أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص: ٨٨).

<<  <   >  >>