للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأخبر سبحانه أنهم أخذوا العَرض الأدنى مع علمهم بتحريمه عليهم، وقالوا: سيغفر لنا، وإن عرض لهم عرض آخر أخذوه، فهم مصرون على ذلك وذلك هو الحامل لهم على أن يقولوا على الله غير الحق، فيقولون: هذا حكمه وشرعه ودينه، وهم يعلمون أن دينه وشرعه وحكمه خلاف ذلك. أو لا يعلمون أن ذلك دينه وشرعه وحكمه، فتارة يقولون على الله مالا يعلمون، وتارة يقولون عليه ما يعلمون بطلانه.

وأما الذين يتقون فيعلمون أن الدار الآخرة خير من الدنيا فلا يحملهم حب الرياسة والشهوة على أن يؤثروا الدنيا على الآخرة، وطريق ذلك أن يتمسكوا بالكتاب والسنة، ويستعينوا بالصبر والصلاة ويتفكروا في الدنيا وزوالها وخستها، والآخرة وإقبالها ودوامها، وهؤلاء لا بد أن يبتدعوا في الدين مع الفجور في العمل، فيجتمع لهم الأمران؛ فإن اتباع الهوى يعمي عين القلب، فلا يميز بين السنة والبدعة، أو ينكسه فيرى البدعة سنة والسنة بدعة. فهذه آفة العلماء إذا آثروا الدنيا واتبعوا الرياسات والشهوات" (١).

وقال ذو النون المصري: "كان الرجل من أهل العلم يزداد بعلمه بغضًا للدنيا وتركًا لها، فاليوم يزداد الرجل بعلمه للدنيا حبًا ولها طلبًا، وكان الرجل ينفق ماله على العلم، واليوم يكتسب الرجل بعلمه مالاً، وكان يرى على طالب العلم زيادة إصلاح في باطنه وظاهره، فاليوم ترى على كثير من أهل العلم فساد الباطن والظاهر (٢).

وليس بمنتفع بالعلم من كان علمه لا يهديه الاستقامة والهَدي الصالح، ولا يغير من أخلاقه المعوجّة وسلوكه المنحرف، ولا يجعله قدوة حسنة بين الناس، يظهر أثر العلم عليه. قال ابن القيم: " علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فكلما قالت أقوالهم للناس: هلموا قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم؛ فلو كان ما دعوا إليه حقًا كانوا أول المستجيبين له. فهم في الصورة أدلَّاء، وفي


(١) الفوائد، لابن القيم (ص: ١٠٠).
(٢) المدخل لابن الحاج (٢/ ١٢٦).

<<  <   >  >>