للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله" (١). وقال ابن رجب: "وكان الإمام أحمد رحمه اللَه يقول عن معروف: معه أصل العلم: خشية اللَه. فأصل العلم باللَه الذي يوجب خشيته ومحبته والقرب منه والأنس به والشوق إليه. ثم يتلوه العلم بأحكام اللَه وما يحبه ويرضاه من العبد من قول أو عمل أو حال أو اعتقاد. فمن تحقق بهذين العلمين كان علمه علماً نافعاً، وحصل له العلم النافع، والقلب الخاشع، والنفس القانعة، والدعاء المسموع. ومن فاته هذا العلم النافع وقع في الأربع التي استعاذ منها النبي صلي الله عليه وسلم، وصار علمه وبالاً وحجة عليه، فلم ينتفع به؛ لأنه لم يخشع قلبه لربه، ولم تشبع نفسه من الدنيا، بل ازداد عليها حرصاً ولها طلباً، ولم يسمع دعاؤه؛ لعدم امتثاله لأوامر ربه، وعدم اجتنابه لما يسخطه ويكرهه" (٢).

وليس بمنتفع بالعلم من مال إلى زهرة الدنيا فنافس أهلها، والتهى بها، وانشغل بزينتها عن الآخرة، وغيّر فكره ورؤيته ومواقفه وفتاواه؛ حسب المصالح العاجلة؛ رغبة في حطام الدنيا، وخوفًا من زوال متاعها عنه. يقول ابن القيم عن علماء السوء: " كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها فلا بد أن يقول على الله غير الحق في فتواه وحكمه، وفي خبره وإلزامه؛ لأن أحكام الرب سبحانه كثيراً ما تأتي على خلاف أغراض الناس، ولا سيما أهل الرياسة، والذين يتبعون الشهوات؛ فإنهم لا تتم لهم أغراضهم إلا بمخالفة الحق ودفعه كثيراً، فإذا كان العالم والحاكم محبين للرياسة متبعين للشهوات لم يتم لهما ذلك إلا بدفع ما يضاده من الحق، ولا سيما إذا قامت لهما شبهة، فتتفق الشبهة والشهوة ويثور الهوى فيخفى الصواب وينطمس وجه الحق، وإن كان الحق ظاهراً لا خفاء به ولا شبهة فيه، أقدم على مخالفته وقال: لي مخرج بالتوبة. وفى هؤلاء وأشباههم قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأعراف: ١٦٩].


(١) جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر (٢/ ٢٥).
(٢) فضل علم السلف على الخلف، لابن رجب (ص: ٨).

<<  <   >  >>