للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعن سليم بن عامر قال: خرجنا في جنازة على باب دمشق ومعنا أبو أمامة الباهليّ فلمّا صلّى على الجنازة وأخذوا في دفنها قال أبو أمامة: "إنّكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تغنمون فيه الحسنات والسّيّئات، توشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر وهو هذا- يشير إلى القبر- بيت الوحشة وبيت الظّلمة وبيت الضّيق، إلّا ما وسّع اللّه، ثمّ تنتقلون منه إلى يوم القيامة) (١).

وعن عمر بن ذرّ أنّه كان يقول في مواعظه: "لو علم أهل العافية ما تضمّنته القبور من الأجساد البالية لجدّوا واجتهدوا في أيّامهم الخالية؛ خوفًا من يوم تتقلّب فيه القلوب والأبصار" (٢).

وقال النّضر بن المنذر لإخوانه: "زوروا الآخرة بقلوبكم، وشاهدوا الموقف بتوهّمكم، وتوسّدوا القبور بقلوبكم، واعلموا أنّ ذلك كائن لا محالة، فاختار لنفسه امرٌؤ ما أحبّ من المنافع والضّرر" (٣).

وشهد الحسن البصري جنازة فاجتمع عليه النّاس، فقال: "اعملوا لمثل هذا اليوم- رحمكم اللّه-؛ فإنّما هم إخوانكم يَقدُمُونكم، وأنتم بالأثر، أيّها المخلَّف بعد أخيه إنّك الميّت غداً، والباقي بعدك الميّت في أثرك أوّلاً بأوّل، حتّى توافوا جميعًا، قد عمّكم الموت واستويتم جميعًا في كربه وغصصه، ثمّ تخلّيتم إلى القبور، ثمّ تنشرون جميعًا، ثمّ تعرضون على ربّكم عزّ وجلّ" (٤).

موعظة القبر:

القبر واعظ من الواعظين، وعبرة بليغة للمعتبرين؛ فهو المنزل الذي يفارق ساكنُه


(١) المرجع السابق (ص: ٤٢).
(٢) المرجع السابق (ص: ٢٣٨).
(٣) أهوال القبور، لابن رجب (ص: ٢٤٤).
(٤) المرجع السابق.

<<  <   >  >>