الحرام، وتؤثر اللقمة الحلال في تصفية القلب وتحريكه إلى الخير ما لا يؤثر غيرها، ويعرف ذلك أهل المراقبة للقلوب بالتجربة بعد شهادة الشرع له؛ ولذلك قال بعضهم: كم من أكلة منعت قيام ليلة، وكم من نظرة منعت قراءة سورة، وإن العبد ليأكل أكلة أو يفعل فعلة فيحرم بها قيام سنة، وكما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فكذلك الفحشاء تنهى عن الصلاة وسائر الخيرات ..
وأما الميسِّرات الباطنة فأربعة أمور:
الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين وعن البدع، وعن فضول هموم الدنيا، فالمستغرق الهم بتدبير الدنيا لا يتيسر له القيام وإن قام فلا يتفكر في صلاته إلا في مهماته، ولا يجول إلا في وساوسه وفي مثل ذلك يقال:
يخبِّرني البوّابُ أنك نائمٌ … وأنت إذا استيقظت أيضًا فنائمُ
الثاني: خوفٌ غالب يلزم القلب مع قصر الأمل؛ فإنه إذا تفكر في أهوال الآخرة ودركات جهنم طار نومه وعظم حذره؛ كما قال طاوس: إن ذكر جهنم طير نوم العابدين …
قال ابن المبارك:
إذا ما الليلُ أظلمَ كابدوه … فيسفرُ عنهمُ وهمُ ركوعُ
أطار الخوفُ نومَهمُ فقاموا … وأهلُ الأمن في الدنيا هجوعُ
الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل بسماع الآيات والأخبار والآثار حتى يستحكم به رجاؤه وشوقه إلى ثوابه، فيهيجه الشوق لطلب المزيد والرغبة في درجات الجنان.
الرابع وهو أشرف البواعث: الحب لله وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناجٍ ربَّه، وهو مطلع عليه مع مشاهدة ما يخطر بقلبه، وأن تلك الخطرات من الله تعالى خطاب معه، فإذا أحب الله تعالى أحب لا محالة الخلوة به، وتلذذ بالمناجاة، فتحمله