للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عبادةُ الصَّبْر على البلاء

إن الحياة الدنيا ليست دار راحة تامة، لا تكدرها الآلام، ولا تطرأ عليها المصائبُ والأحزان، ولا تعكر أجواءَ سعاداتها الغموم والكربات، بل هي دار مشوبة بذلك، وخُلق الإنسانُ إليها وقَدُره عليها كذلك، ولا راحة تامة له إلا إذا استقر في الجنة إن آمن وعمل صالحًا. قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: ٤]. أي: " في تعب ومشقة، فإنه لا يزال يُقاسي فنون الشدائد من وقت نفخ الروح إلى حين نزعها، يُكابد مشاق التعلُّم، ثم مشاق القيام بأمور الدين، وأمور معاشه، وهموم دنياه وآخرته، ثم يكابد نزع روحه، ثم سؤاله في قبره، ثم تعب حشره، ومقاساة شدائد حسابه، ثم مروره على الصراط، فلا راحة له إلاّ بعد دخول الجنة" (١).

فعلى الإنسان أن يوطِّن نفسه على أن لا يجد زمانَ الدنيا كلَّه سروراً لا كدر فيه، فالحياة يومان: يوم سرور، ويوم شرور، ويوم أفراح، ويوم أتراح. فمن روّض نفسه على هذه الحقيقة هانت عليه مصائب الدنيا.

قال النمر بن تولب:

فيومٌ علينا ويومٌ لنا … و يومٌ نُساءُ ويوم نُسَرْ (٢).

بل إن المؤمن يعاني في الدنيا من المشاق أكثر من غيره؛ فعن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان دينه صُلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه


(١) البحر المديد، لابن عجيبة (٨/ ٤٦٨).
(٢) زهر الأكم في الأمثال والحكم، لليوسي (ص: ٣١٧).

<<  <   >  >>