للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقول أيضًا: "أرض الفطرة رحبة قابلة لما يُغرس فيها، فإن غرست شجرة الإيمان والتقوى أورثت حلاوة الأبد، وإن غرست شجرة الجهل والهوى فكلُّ الثمر مُرٌّ. ارجع إلى الله واطلبه من عينك وسمعك وقلبك ولسانك، ولا تشرد عنه من هذه الأربعة، فما رجع من رجع إليه بتوفيقه إلا منها، وما شرد من شرد عنه بخذلانه إلا منها، فالموفق يسمع ويبصر ويتكلم ويبطش بمولاه، والمخذول يصدر ذلك عنه بنفسه وهواه" (١).

ويقول أيضًا في التحذير من المعاصي: "إيّاك والمعاصي؛ فإنها أذلّت عز: {اسْجُدُوا} وأخرجت إقطاع {اسْكُنْ}. يا لها من لحظة أثمرت حرارة القلق ألف سنة، ما زال يكتب بدم الندم سطور الحزن في القصص، ويرسلها مع أنفاس الأسف، حتى جاءه توقيع: {فَتَابَ عَلَيْهِ}. فرح إبليس بنزول آدم من الجنة، وما علم أن هبوط الغائص في اللجة خلف الدُرِّ صعود. كم بين قوله لآدم: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}، وقوله لك: {اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ}. ما جرى على آدم هو المراد من وجوده: (لو لم تذنبوا .. ) (٢) يا آدم، لا تجزع من قوله لك: {اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} فلك ولصالح ذريتك خلقتها. يا آدم، كنتَ تدخل عليّ دخول الملوك على الملوك، واليوم تدخل علي دخول العبيد على الملوك. يا آدم، لا تجزع من قولي لك: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا .. }. يا آدم، لم أخرج إقطاعك إلى غيرك، إنما نحيّتك عنه لأكمل عمارته لك، وليبعث إلى العمّال نفقة: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ .. } تالله ما نفعه عند معصيته عزُّ: {اسْجُدُوا} ولا شرف: {وَعَلَّمَ آدَمَ .. } ولا خصيصة: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ .. }، ولا فخر: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي .. }. وإنما انتفع بذل: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا … }. لما لبس درع التوحيد على بدن الشكر وقع سهم العدو منه في غير مقتل فجرحه فوضع عليه جُبَار الانكسار فعاد كما كان فقام الجريح كأن لم يكن به قَلَبَةٌ. (أي: علّة) (٣).


(١) الفوائد، لابن القيم (ص: ٣٤).
(٢) جزء من حديث: (قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" رواه مسلم (٤/ ٢١٠٦).
(٣) الفوائد، لابن القيم (ص: ٣٥).

<<  <   >  >>