للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شهوته ضعفت، وقواه قلّت، والحواس كلّت، والنشاط فتر، والشعر ابيض، فليعتبر بما فقد، وليستغن عن ذكر من فقد، فقد استغنى بما عنده التطلع إلى غيره" (١).

إن ما يحصل على الشعور من لمعان الشيب هو نذير لصاحبها من اقتراب الموت ومفارقة الحياة الدنيا، فما للإنسان مع ذلك والتفريطَ، وتضييعَ ما تبقى من العمر فيما لا ينفع بعد نزول الأجل؟!

يقول تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: ٣٧].

ورد عن ابن عباس وعكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع وقتادة أن النذير هنا هو الشيب (٢).

وقال ابن حجر: " {وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ} اختلف أهل التّفسير فيه، فالأكثر على أنّ المراد به الشّيب؛ لأنّه يأتي في سنّ الكهولة فما بعدها، وهو علامة لمفارقة سنّ الصّبا الّذي هو مظنّة اللّهو" (٣).

وقد عد الشعراء والحكماء الشيبَ نذيرَ الموت وبريدَه، وأمارةً على قرب الأجل، وبوابة خروجٍ من الحياة، وبداية لنهايتها، وذبولاً لزهرتها، وطريقًا قريبًا إلى القبر.

قال الشاعر:

رأيتُ الشيبَ من نُذُر المنايا … لصاحبها وحسبُك من نذيرِ

فحدُّ الشيبِ أُهبةُ ذي وقارٍ … فلا خلفٌ يكون مع القتير (٤).


(١) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ٢٨٢).
(٢) الدر المنثور، للسيوطي (٧/ ٣٢)، الكشف والبيان، للثعلبي (٨/ ١١٥)، تفسير ابن كثير (٣/ ٦٧٥).
(٣) فتح الباري، لابن حجر (١١/ ٢٣٩).
(٤) القتير: أول ما يظهر من الشيب. المعجم الوسيط (٢/ ٧١٤).

<<  <   >  >>