للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويزداد حب المؤمن للموت حينما تبشره الملائكة عند الموت بحسن المنقلب، وكرم الوفادة عند ربه سبحانه وتعالى، فعن عائشة رضي الله عنه قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) فقلت: يا نبي الله، أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت؟ فقال: (ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه) (١).

قال النووي: " ومعنى الحديث: أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل توبته ولا غيرها، فحينئذ يبشر كل إنسان بما هو صائر إليه، وما أعد له، ويكشف له عن ذلك، فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله؛ لينتقلوا إلى ما أعد لهم، ويحب الله لقاءهم، وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه؛ لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه، ويكره الله لقاءهم. وليس معنى الحديث أن سبب كراهة الله تعالى لقاءهم كراهتهم ذلك، ولا أن حبه لقاء الآخرين حبهم ذلك، بل هو صفة لهم" (٢).

وقال القرطبي: " وهذه الكراهة للمرت هي الكراهية الطبيعية التي هي راجعة إلى النفرة عن المكروه والضرر، واستصعاب ذلك على النفوس. ولا شك في وجدانها لكلِّ أحد، غير أن مَنْ رزقه الله تعالى ذوقًا من محبته، وانكشف له شيء من جمال حضرته، غلب عليه ما يجده من خالص محبته، فقال عند أزوف رحلته، مخاطبًا للموت وسكرته، كما قال معاذ ـ رضي الله عنه ـ: " حبيبٌ جاء على فاقة، لا أفلح اليوم من ندم" (٣).


(١) رواه البخاري (٥/ ٢٣٨٦)، ومسلم (٤/ ٢٠٦٥).
(٢) شرح النووي على مسلم (٩/ ٤٧)، بتصرف.
(٣) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي (٨/ ١٢٠).

<<  <   >  >>