للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حاسبْ نفسَك اليوم

إن النفس البشرية ميّالة إلى الدعة، وتتبعِ منازل الراحة، تحب الجِدَّ والنهوض إلى مراتع الشهوات، وتكسل وتفتر عن الإقبال إلى رياض الطاعات، وهي مليئة بالميل إلى الهوى وحب الرغبات، والدعوة إلى السوء والمكروهات.

قال ابن القيم: " فالنفس داعية إلى المهالك، معينة للأعداء، طامحة إلى كل قبيح، متبعة لكل سوء، فهي تجري بطبعها في ميدان المخالفة" (١).

والنفس كذلك تقف حجر عثرة أمام صاحبها إذا أراد فعل الخير إلا أن يجاهدها جهاداً كبيراً، فإن أراد عمل شر فإنها تحثه عليه وتزينه له، وتصبره على كل صارف يحول بينه وبينه حتى يتجاوزه إلى ذلك الشر. قال تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: ٥٣].

فهي مولَعة بحب العاجل اللذيذ ولو كان يعقب صاحبها المكروه الأليم. وإذا مضى الإنسان مع نفسه وهواها سلكت به طريق المهالك وأنزلته دار الندامة.

إذَا الْمَرْءُ أَعْطَى نَفْسَهُ كُلَّ مَا اشْتَهَتْ … وَلَمْ يَنْهَهَا تَاقَتْ إلَى كُلِّ بَاطِلِ

وَسَاقَتْ إلَيْهِ الْإِثْمَ وَالْعَارَ بِاَلَّذِي … دَعَتْهُ إلَيْهِ مِنْ حَلَاوَةِ عَاجِلِ

غير أن الحازم الكامل يكبح جماحها، ويحبس عنفوانها إلا إلى خير (٢).

وقال الآخر:

إذَا مَا رَأَيْت الْمَرْءَ يَعْتَادُهُ الْهَوَى … فَقَدْ ثَكِلَتْهُ عِنْدَ ذَاكَ ثَوَاكِلُهْ


(١) إغاثة اللهفان، لابن القيم (١/ ٨٦).
(٢) أدب الدنيا والدين، للماوردي (ص: ٢٣).

<<  <   >  >>