للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خير له من فعله، فإن كان الثاني تركه ولم يقدم عليه، وإن كان الأول وقف وقفة ثالثة ونظر: هل الباعث عليه إرادة وجه الله عز وجل وثوابه أو إرادة الجاه والثناء والمال من المخلوق، فإن كان الثاني لم يقدم عليه وإن أفضى به إلى مطلوبه؛ لئلا تعتاد النفس الشرك ويخف عليها العمل لغير الله، فبقدر ما يخف عليها ذلك يثقل عليها العمل لله تعالى، حتى يصير أثقل شيء عليها وإن كان الأول وقف وقفة أخرى ونظر: هل هو مُعان عليه وله أعوان يساعدونه وينصرونه إذا كان العمل محتاجًا إلى ذلك أم لا، فإن لم يكن له أعوان أمسك عنه كما أمسك النبي صلى الله عليه وسلم عن الجهاد بمكة حتى صار له شوكة وأنصار، وإن وجده معاناً عليه فليقدم عليه؛ فإنه منصور ولا يفوت النجاح إلا من فوت خصلة من هذه الخصال، وإلا فمع اجتماعها لا يفوته النجاح، فهذه أربعة مقامات يحتاج إلى محاسبة نفسه عليها قبل العمل …

النوع الثاني: محاسبة النفس بعد العمل وهو ثلاثة أنواع:

أحدها: محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي، وحق الله تعالى في الطاعة ستة أمور وهي: الإخلاص في العمل، والنصيحة لله فيه، ومتابعة الرسول فيه، وشهود مشهد الإحسان فيه، وشهود منة الله عليه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله. فيحاسب نفسه: هل وفى هذه المقامات حقها، وهل أتى بها في هذه الطاعة؟

الثاني: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيراً له من فعله.

الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد: لمَ فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؟ فيكون رابحاً، أو أراد به الدنيا وعاجلها فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به؟ " (١).

وقال أيضًا: "وجماع ذلك: أن يحاسب نفسه أولاً على الفرائض؛ فإن تذكر فيها نقصًا


(١) إغاثة اللهفان، لابن القيم (١/ ٨١).

<<  <   >  >>