للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا وصلوا إليها مقيَّدين ومسّوا حرها دعوا هنالك على أنفسهم بالويل والثبور والخسار، فيجابون بالعتاب وشدة العذاب. قال تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان: ١٣، ١٤]، وقال: {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ} [المؤمنون: ٦٤، ٦٥].

صفة النار:

إن نار الآخرة التي توعد الله بها من عصاه لشيءٌ مهول وأمر فظيع عظيم، وقد أخبرنا الله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام عن شيء من ذلك الهول والعِظم؛ لكي يكون ذلك زاجراً للمعرضين، ومزجيًا للمبطئين، وشاحذاً لهمة المؤمنين ليزدادوا إحسانًا إلى إحسانهم؛ حتى لا يصيروا إلى ذلك المآل الأليم، فأين القلوب التي تتعظ وهي تقرأ أو تسمع تلك الأخبار الصادقة عن هول نار الآخرة؟

إن نار الجحيم شيء عظيم من الهول والمخاوف، فإذا كان الإنسان يخشى مسّ نار الدنيا وهي لا تساوي شيئًا أمام نار جهنم، فكيف سيقوى على نار جهنم؟! نسأل الله السلامة من غضبه وعقابه، قال تعالى: {وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: ٨١]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ناركم هذه ما يوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم، قالوا: والله إن كانت لكافية، قال: إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها) (١).

فعن عِظَمها يقول ربنا الجبار تبارك وتعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر: ٢٣]، وقال تعالى: {انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: ٢٩ - ٣٤].


(١) رواه البخاري (٣/ ١١٩١) ومسلم (٤/ ٢١٨٤).

<<  <   >  >>