للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: ٥٦]، ومن حطبها كذلك: الحجارة؛ لأن الحجر إذا اشتعل صار أشدَّ إحراقًا وأبطأ انطفاء، قال تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: ٢٤]. ومن حطبها كذلك: الأصنام التي كانت تعبد من دون الله، قال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: ٩٨].

وأما حدودها فإن أهل النار في حال عذابهم فيها لا يجدون متنفسًا ولا مهربًا مما هم فيه؛ لأن النار تحيط بهم من كل جانب، وأبواب جهنم عليهم مغلقة. قال تعالى: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: ٥٥]، وقال: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة: ٨، ٩].

وأما حجم أصحابها فإن العذاب الشديد الذي ينزل بهم لا تتحمله أجسام الدنيا التي كانوا عليها؛ ولذلك فإن الله تعالى يخلق أهلها يوم القيامة بأجسام ضخمة غير أجسامهم الصغيرة الضعيفة التي كانت في الدنيا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ضرس الكافر مثل أُحد، وفخذه مثل البيضاء-اسم جبل- ومقعده من النار كما بين قُديد ومكة، وكثافة جسده اثنان وأربعون ذراعًا بذراع الجبار) (١).

وأما عن مقدار عذاب أهلها فإن العذاب الذي يلاقونه ليس على مرتبة واحدة، بل كل شقي يعذَّب فيها على حسب عمله؛ فمن كان من عصاة المسلمين يعذب بقدر معصيته، ومن كان من الكفار على اختلاف أصنافهم يعذب بقدر ما فعل زيادة على كفره، فكما أن أهل الجنة ليسوا على منزلة واحدة بل على منازل فكذلك أهل النار. قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء: ١٤٥]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أهون أهل النار عذابًا رجل في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه، كما يغلي المرجل بالقمقم) (٢).


(١) رواه أحمد (١٤/ ١٣٤)، وهو صحيح.
(٢) رواه البخاري (٥/ ٢٤٠٠)، ومسلم (١/ ١٩٦).

<<  <   >  >>